الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون ومن يقل منهم إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين

                                                                                                                                                                                                نزلت في خزاعة ، حيث قالوا : الملائكة بنات الله ، نزه ذاته عن ذلك ، ثم أخبر عنهم [ ص: 139 ] بأنهم عباد والعبودية تنافي الولادة ، إلا أنهم : "مكرمون " : مقربون عندي مفضلون على سائر العباد لما هم عليه من أحوال وصفات ليست لغيرهم ، فذلك هو الذي غر منهم من زعم أنهم أولادي -تعاليت عن ذلك علوا كبيرا- وقرئ : "مكرمون " ، و "لا يسبقونه " : بالضم ، من : سابقته فسبقته أسبقه ، والمعنى : أنهم يتبعون قوله ولا يقولون شيئا حتى يقوله ، فلا يسبق قولهم قوله ، والمراد بقولهم ، فأنيب اللام مناب الإضافة ، أي : لا يتقدمون قوله بقولهم ، كما تقول : سبقت بفرسي فرسه ، وكما أن قولهم تابع لقوله ، فعملهم -أيضا- كذلك مبني على أمره : لا يعملون عملا ما لم يؤمروا به ، وجميع ما يأتون ويذرون مما قدموا وأخروا بعين الله ، وهو مجازيهم عليه فلإحاطتهم بذلك يضبطون أنفسهم ، ويراعون أحوالهم ، ويعمرون أوقاتهم ، ومن تحفظهم أنهم لا يجسرون أن يشفعوا إلا لمن ارتضاه الله وأهله للشفاعة في ازدياد الثواب والتعظيم ، ثم إنهم مع هذا كله من خشية الله ، "مشفقون" أي : متوقعون من أمارة ضعيفة ، كائنون على حذر ورقبة لا يأمنون مكر الله ، وعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه رأى جبريل -عليه السلام- ليلة المعراج ساقطا كالحلس من خشية الله ، وبعد أن وصف كرامتهم عليه ، وقرب [ ص: 140 ] منزلتهم عنده ، وأثنى عليهم ، وأضاف إليهم تلك الأفعال السنية والأعمال المرضية .

                                                                                                                                                                                                فاجأ بالوعيد الشديد ، وأنذر بعذاب جهنم من أشرك منهم إن كان ذلك على سبيل الفرض والتمثيل ، مع إحاطة علمه بأنه لا يكون ؛ كما قال : ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون [الأنعام : 88 ] ، قصد بذلك تفظيع أمر الشرك ، وتعظيم شأن التوحيد .

                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية