الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      القاسم بن عبد الواحد بن أيمن : حدثنا عمر بن عبد الله بن عروة ، عن جده عروة ، عن عائشة ، قالت : فخرت بمال أبي في الجاهلية - وكان ألف [ ص: 186 ] ألف أوقية - فقال النبي صلى الله عليه وسلم : يا عائشة ، كنت لك كأبي زرع لأم زرع .

                                                                                      هكذا في هذه الرواية : ألف ألف أوقية . وإسنادها فيه لين ، وأعتقد لفظة : " ألف " - الواحدة ، باطلة - فإنه يكون : أربعين ألف درهم ، وفي ذلك مفخر لرجل تاجر ، وقد أنفق ماله في ذات الله .

                                                                                      ولما هاجر كان قد بقي معه ستة آلاف درهم ، فأخذها صحبته أما ألف ألف أوقية ، فلا تجتمع إلا لسلطان كبير .

                                                                                      قال الزهري ، عن القاسم بن محمد : إن معاوية لما حج ، قدم ، فدخل على عائشة ، فلم يشهد كلامها إلا ذكوان مولى عائشة ، فقالت لمعاوية : أمنت أن أخبأ لك رجلا يقتلك بأخي محمد ؟ قال : صدقت - وفي رواية أخرى : قال لها : ما كنت لتفعلي - ثم إنها وعظته ، وحضته على الاتباع .

                                                                                      وقال سعيد بن عبد العزيز التنوخي : قضى معاوية عن عائشة ثمانية عشر ألف دينار ، هذه رواية منقطعة . والصحيح رواية عروة بن الزبير : أن معاوية [ ص: 187 ] بعث مرة إلى عائشة بمائة ألف درهم ، فوالله ما أمست حتى فرقتها ، فقالت لها مولاتها : لو اشتريت لنا منها بدرهم لحما ؟ فقالت : ألا قلت لي .

                                                                                      يحيى بن أبي زائدة ، عن حجاج ، عن عطاء : أن معاوية بعث إلى عائشة بقلادة بمائة ألف ، فقسمتها بين أمهات المؤمنين .

                                                                                      الأعمش ، عن تميم بن سلمة ، عن عروة ، عن عائشة : أنها تصدقت بسبعين ألفا ؛ وإنها لترقع جانب درعها رضي الله عنها .

                                                                                      أبو معاوية ، عن هشام بن عروة ، عن ابن المنكدر ، عن أم ذرة ، قالت : بعث ابن الزبير إلى عائشة بمال في غرارتين ، يكون مائة ألف ، فدعت بطبق ، فجعلت تقسم في الناس ، فلما أمست ، قالت : هاتي يا جارية فطوري ، فقالت أم ذرة : يا أم المؤمنين ، أما استطعت أن تشتري لنا لحما بدرهم ؟ قالت : لا تعنفيني ، لو أذكرتيني لفعلت .

                                                                                      مطرف بن طريف ، عن أبي إسحاق ، عن مصعب بن سعد ، قال : فرض عمر لأمهات المؤمنين عشرة آلاف ، عشرة آلاف ، وزاد عائشة ألفين ، وقال : إنها حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم .

                                                                                      شعبة : أخبرنا عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه : أن عائشة كانت تصوم الدهر . [ ص: 188 ]

                                                                                      ابن جريج ، عن عطاء ، قال : كنت آتي عائشة أنا وعبيد بن عمير ، وهي مجاورة في جوف ثبير في قبة لها تركية عليها غشاؤها ، وقد رأيت عليها ، وأنا صبي ، درعا معصفرا .

                                                                                      وروى سليمان بن بلال ، عن عمرو بن أبي عمرو : سمع القاسم يقول : كانت عائشة تلبس الأحمرين : الذهب والمعصفر ، وهي محرمة .

                                                                                      وقال ابن أبي مليكة : رأيت عليها درعا مضرجا .

                                                                                      وقال معلى بن أسد : حدثنا المعلى بن زياد : ، قال : حدثتنا بكرة بنت عقبة : أنها دخلت على عائشة وهي جالسة في معصفرة ، فسألتها عن الحناء .

                                                                                      فقالت : شجرة طيبة ، وماء طهور ، وسألتها عن الحفاف ، فقالت لها : إن كان لك زوج ، فاستطعت أن تنزعي مقلتيك ، فتصنعينهما أحسن مما هما ، فافعلي . [ ص: 189 ] المعليان ، ثقتان .

                                                                                      وعن معاذة العدوية ، قالت : رأيت على عائشة ملحفة صفراء .

                                                                                      الواقدي : حدثنا ابن أبي الزناد ، عن هشام ، عن أبيه ، قال : ربما روت عائشة القصيدة ستين بيتا وأكثر .

                                                                                      مسعر ، عن حماد ، عن إبراهيم النخعي ، قال : قالت عائشة : يا ليتني كنت ورقة من هذه الشجرة ! .

                                                                                      ابن علية ، عن أيوب ، عن ابن أبي مليكة ، قال : قالت عائشة : توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي ، وفي يومي وليلتي ، وبين سحري ونحري . ودخل عبد الرحمن بن أبي بكر ، ومعه سواك رطب ، فنظر إليه ، حتى ظننت أنه يريده ، فأخذته ، فمضغته ونفضته وطيبته ، ثم دفعته إليه ، فاستن به كأحسن ما رأيته مستنا قط ؛ ثم ذهب يرفعه إلي ، فسقطت يده ، فأخذت أدعو له بدعاء كان يدعو به له جبريل ، وكان هو يدعو به إذا مرض ، فلم يدع به في مرضه ذاك ، فرفع بصره إلى السماء ، وقال : الرفيق الأعلى ، وفاضت نفسه ، فالحمد لله الذي جمع بين ريقي وريقه في آخر يوم من الدنيا . [ ص: 190 ]

                                                                                      هذا حديث صحيح .

                                                                                      عمر بن سعيد بن أبي حسين : حدثنا ابن أبي مليكة : حدثني أبو عمرو ذكوان مولى عائشة ، قال : قدم درج من العراق ، فيه جوهر إلى عمر ، فقال لأصحابه : تدرون ما ثمنه ؟ قالوا : لا . ولم يدروا كيف يقسمونه ، فقال : أتأذنون أن أرسل به إلى عائشة . لحب رسول الله صلى الله عليه وسلم إياها ؟ قالوا : نعم ، فبعث به إليها ، فقالت : ماذا فتح على ابن الخطاب بعد رسول الله ؟ اللهم ، لا تبقني لعطيته لقابل . هذا مرسل .

                                                                                      وأخرج الحاكم في " مستدركه " من طريق يحيى بن سعيد الأموي : حدثنا أبو العنبس سعيد بن كثير ، عن أبيه ، قال : حدثتنا عائشة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر فاطمة . قالت : فتكلمت أنا ، فقال : أما ترضين أن تكوني زوجتي في الدنيا والآخرة . قلت : بلى والله ، قال : فأنت زوجتي في الدنيا والآخرة .

                                                                                      إسماعيل بن أبي خالد : أخبرنا عبد الرحمن بن الضحاك : أن عبد الله بن صفوان أتى عائشة ، فقالت : لي خلال تسع ، لم تكن لأحد ، إلا ما آتى الله مريم - عليها السلام - . والله ما أقول هذا فخرا على صواحباتي . . [ ص: 191 ]

                                                                                      فقال ابن صفوان : وما هن ؟ قالت : جاء الملك بصورتي إلى رسول الله ، فتزوجني ؛ وتزوجني بكرا ؛ وكان يأتيه الوحي ، وأنا وهو في لحاف ؛ وكنت من أحب الناس إليه ؛ ونزل في آيات ، كادت الأمة تهلك فيها ؛ ورأيت جبريل ، ولم يره أحد من نسائه غيري ؛ وقبض في بيتي ، لم يله أحد - غير الملك - إلا أنا
                                                                                      صححه الحاكم .

                                                                                      العوام بن حوشب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : إن الذين يرمون المحصنات الآية قال : نزلت في عائشة خاصة .

                                                                                      علي بن عاصم - وفيه لين - : حدثنا خالد الحذاء ، عن ابن سيرين ، عن الأحنف ، قال : سمعت خطبة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي والخلفاء بعدهم ، فما سمعت الكلام من فم مخلوق أفخم ولا أحسن منه من في عائشة .

                                                                                      وقال موسى بن طلحة : ما رأيت أحدا أفصح من عائشة . وفي " المستدرك " بإسناد صالح ، عن أم سلمة : أنها لما سمعت الصرخة على عائشة ، قالت : والله لقد كانت أحب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أباها . . [ ص: 192 ]

                                                                                      قال ابن سعد : أخبرنا محمد بن عمر : حدثني ابن أبي سبرة ، عن عثمان بن أبي عتيق ، عن أبيه ، قال : رأيت ليلة ماتت عائشة حمل معها جريد بالخرق والزيت وأوقد ، ورأيت النساء بالبقيع ، كأنه عيد .

                                                                                      قال محمد بن عمر : حدثنا ابن جريج ، عن نافع ، قال : شهدت أبا هريرة صلى على عائشة بالبقيع ، وكان خليفة مروان على المدينة ، وقد اعتمر تلك الأيام .

                                                                                      قال عروة بن الزبير : دفنت عائشة ليلا .

                                                                                      قال هشام بن عروة ، وأحمد بن حنبل ، وشباب وغيرهم : توفيت سنة سبع وخمسين .

                                                                                      وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى ، والواقدي ، وغيرهما : سنة ثمان وخمسين .

                                                                                      قال الواقدي : حدثنا ابن أبي سبرة ، عن موسى بن ميسرة عن سالم سبلان : أنها ماتت في الليلة السابعة عشرة من شهر رمضان بعد الوتر ، فأمرت أن تدفن من ليلتها ، فاجتمع الأنصار ، وحضروا ، فلم ير ليلة أكثر [ ص: 193 ] ناسا منها . نزل أهل العوالي ، فدفنت بالبقيع .

                                                                                      إسماعيل بن أبي خالد ، عن قيس ، قال : قالت عائشة - وكانت تحدث نفسها أن تدفن في بيتها ، فقالت : إني أحدثت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثا ، ادفنوني مع أزواجه ، فدفنت بالبقيع رضي الله عنها .

                                                                                      قلت : تعني بالحدث مسيرها يوم الجمل ، فإنها ندمت ندامة كلية ، وتابت من ذلك : على أنها ما فعلت ذلك إلا متأولة قاصدة للخير ، كما اجتهد طلحة بن عبيد الله ، والزبير بن العوام ، وجماعة من الكبار رضي الله عن الجميع .

                                                                                      روى إسماعيل بن علية ، عن أبي سفيان بن العلاء المازني ، عن ابن أبي عتيق ، قال : قالت عائشة : إذا مر ابن عمر ، فأرونيه ، فلما مر بها ، قيل لها : هذا ابن عمر ، فقالت : يا أبا عبد الرحمن ، ما منعك أن تنهاني عن مسيري ؟ قال : رأيت رجلا قد غلب عليك - يعني ابن الزبير .

                                                                                      وقد قيل : إنها مدفونة بغربي جامع دمشق . وهذا غلط فاحش ، لم تقدم رضي الله عنها - إلى دمشق أصلا ، وإنما هي مدفونة بالبقيع .

                                                                                      ومدة عمرها : ثلاث وستون سنة وأشهر .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية