الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أشد منهم بطشا فنقبوا في البلاد هل من محيص إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب ومن الليل فسبحه وأدبار السجود

                                                                                                                                                                                                                                        قوله عز وجل: فنقبوا في البلاد فيه أربعة أوجه:

                                                                                                                                                                                                                                        أحدها: أثروا في البلاد ، قاله ابن عباس .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: أنهم ملكوا في البلاد ، قاله الحسن .

                                                                                                                                                                                                                                        الثالث: ساروا في البلاد وطافوا ، قاله قتادة ، ومنه قول امرئ القيس


                                                                                                                                                                                                                                        وقد نقبت في الآفاق حتى رضيت من الغنيمة بالإياب

                                                                                                                                                                                                                                        الرابع: أنهم اتخذوا فيها طرقا ومسالك ، قاله ابن جريج .

                                                                                                                                                                                                                                        ويحتمل خامسا: أنه اتخاذ الحصون والقلاع. هل من محيص فيه ثلاثة أوجه:

                                                                                                                                                                                                                                        أحدها: هل من منج من الموت ، قاله ابن زيد.

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: هل من مهرب ، قال معمر عن قتادة: حاص أعداء الله فوجدوا أمر الله تعالى لهم مدركا.

                                                                                                                                                                                                                                        الثالث: هل من مانع؟ قال سعيد عن قتادة: حاص الفجرة ، فوجدوا أمر الله منيعا.

                                                                                                                                                                                                                                        قوله عز وجل: إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب فيه وجهان:

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما: لمن كان له عقل ، قاله مجاهد ، لأن القلب محل العقل. [ ص: 356 ] الثاني: لمن كانت له حياة ونفس مميزة ، فعبر عن النفس الحية بالقلب لأنه وطنها ومعدن حياتها. كما قال امرؤ القيس


                                                                                                                                                                                                                                        أغرك مني أن حبك قاتلي     وأنك مهما تأمري القلب يفعل

                                                                                                                                                                                                                                        أو ألقى السمع وهو شهيد فيه ثلاثة أوجه:

                                                                                                                                                                                                                                        أحدها: ألقى السمع فيما غاب عنه بالأخبار ، وهو شهيد فيما عاينه بالحضور.

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: معناه سمع ما أنزل الله من الكتب وهو شهيد بصحته.

                                                                                                                                                                                                                                        الثالث: سمع ما أنذر به من ثواب وعقاب ، وهو شهيد على نفسه بما عمل من طاعة أو معصية. وفي الآية ثلاثة أقاويل:

                                                                                                                                                                                                                                        أحدها: أنها في جميع أهل الكتب ، قاله قتادة .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: أنها في اليهود والنصارى خاصة ، قاله الحسن .

                                                                                                                                                                                                                                        الثالث: أنها في أهل القرآن خاصة ، قاله محمد بن كعب وأبو صالح.

                                                                                                                                                                                                                                        قوله عز وجل: وما مسنا من لغوب واللغوب التعب والنصب. قال الراجز:

                                                                                                                                                                                                                                        إذا رقى الحادي المطي اللغبا     وانتعل الظل فصار جوربا

                                                                                                                                                                                                                                        قال قتادة و الكلبي : نزلت هذه الآية في يهود المدينة ، زعموا أن الله خلق السماوات والأرض في ستة أيام أولها يوم الأحد ، وآخرها يوم الجمعة ، واستراح في يوم السبت ، ولذلك جعلوه يوم راحة ، فأكذبهم الله في ذلك.

                                                                                                                                                                                                                                        قوله عز وجل: فاصبر على ما يقولون هذا خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ، أمر فيه بالصبر على ما يقوله المشركون ، إما من تكذيب أو وعيد. وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب الآية. وهذا وإن كان خطابا للنبي صلى الله عليه وسلم ، فهو عام له ولأمته. وفي هذا التسبيح وجهان:

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما: أنه تسبيحه بالقول تنزيها قبل طلوع الشمس وقبل الغروب ، قاله أبو الأحوص. [ ص: 357 ] الثاني: أنها الصلاة ومعناه فصل بأمر ربك قبل طلوع الشمس ، يعني صلاة الصبح ، وقبل الغروب ، يعني صلاة العصر ، قاله أبو صالح ورواه جرير بن عبد الله مرفوعا.

                                                                                                                                                                                                                                        قوله عز وجل: ومن الليل فسبحه فيه أربعة أوجه:

                                                                                                                                                                                                                                        أحدها: أنه تسبيح الله تعالى قولا في الليل ، قاله أبو الأحوص.

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: أنها صلاة الليل ، قاله مجاهد .

                                                                                                                                                                                                                                        الثالث: أنها ركعتا الفجر ، قاله ابن عباس .

                                                                                                                                                                                                                                        الرابع: أنها صلاة العشاء الآخرة ، قاله ابن زيد. ثم قال وأدبار السجود فيه ثلاثة أوجه:

                                                                                                                                                                                                                                        أحدها: أنه التسبيح في أدبار الصلوات ، قاله أبو الأحوص.

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: أنها النوافل بعد المفروضات ، قاله ابن زيد.

                                                                                                                                                                                                                                        الثالث: أنها ركعتان بعد المغرب ، قاله علي رضي الله عنه وأبو هريرة. وروى ابن عباس قال: بت ليلة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فصلى ركعتين قبل الفجر ، ثم خرج إلى الصلاة فقال: (يا ابن عباس ركعتان قبل الفجر أدبار النجوم ، وركعتان بعد المغرب أدبار السجود .

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية