الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                [ ص: 408 ] الباب الحادي والعشرون

                                                                                                                في

                                                                                                                الكتابة

                                                                                                                هذا ما كاتب فلان بن فلان مملوكه الذي بيده وملكه المقر له بالرق والعبودية ، المدعو فلانا الهندي ، أو الحبشي ، المسلم ، لما يعلم فيه من الخير والديانة والأمانة ، لقول الله تعالى : ( فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا ) وتحلى على مال جملته كذا دينارا ، يقوم به منجما في سلخ كل شهر دينار واحد ، مكاتبة صحيحة شرعية ، تعاقداها بينهما معاقدة شرعية ، وأذن له سيده في البيع والشراء ، والأخذ والعطاء ، ومتى أوفى ذلك كان حرا من أحرار المسلمين ، له ما لهم وعليه ما عليهم ، لا سبيل لأحد عليه إلا سبيل الولاء الشرعي ، ولو عجز ولو عن الدرهم الفرد ، كان باقيا على حكم العبودية ، لقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( المكاتب عبد ما بقي عليه درهم ) وبمضمونه شهد عليهما .

                                                                                                                فصـل

                                                                                                                وتكتب في عجزه : حضر إلى شهوده يوم تاريخه : فلان بن فلان الفلاني وأشهدهم على نفسه طوعا منه واختيارا ، أنه لما كاتب عبده فلانا المذكور المسمى المحلى باطنه إلى المدة المعينة باطنه ، انقضت المدة المذكورة ، وزادت مدة ثانية واستحقت كذا دينارا عن قسط ، ولم يقم له بها ، وصدقه العبد على ذلك واعترف أنه عاجز عن القيام بما فضل عليه ، وأنه سأله بعد الاستحقاق المعبر عليه [ ص: 409 ] إلى يوم تاريخه ليسعى في تحصيل ما بقي عليه ، فيصبر عليه ، وأمهله إلى الآن ، وأنه عجز عن تحصيل ما بقي عليه ، وبحكم ذلك فسخ السيد المكاتبة فسخا شرعيا ، وتؤرخ ، وإن كان تحاكما عند حاكم قلت : حضر إلى شهوده يوم تاريخه من ذكر أنه حضر إلى مجلس الحكم العزيز بالبلد الفلاني ، عند سيدنا القاضي فلان الحاكم بها أدام الله سعادته ، كل واحد من فلان بن فلان مملوكه ، وادعى فلان المبدأ باسمه على مملوكه عند الحاكم أنه كاتبه على جملة كذا . وتنص الكتابة إلى آخرها . ثم تقول : صيره عليه الذي تقدم ، ثم تقول : فصدق سيده على دعواه واعترف أنه عاجز على الوفاء ، وأنه لم يقدر على تحصيل ما تحمل عليه . فحينئذ سأله الحاكم بما يوجب الشرع الشريف ، فأذن الحاكم المذكور للسيد في فسخ الكتابة المذكورة ; لقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( المكاتب عبد ما بقي عليه درهم ) ، وتصادقا على ذلك كله ، فحينئذ فسخ السيد المذكور الكتابة المذكورة فسخا صحيحا شرعيا ، وأبطل حكمها ، وشهد عليهما بذلك بتاريخ كذا ، وإن كان أنكر عند الحاكم ، كتبت بعد دعوى العجز : فكلفه الحاكم إثبات ذلك فشهد عنده بذلك فلان وفلان ، فقبل شهادتهما ، وأعلم تحت رسمها علامة الأداء والقبول على الرسم المعهود ، وأعلم علامة الثبوت عنده ، ثم سأل الحاكم المذكور المكاتب المذكور : القيام بما بقي عليه ، فادعى عدم القدرة ، وسأل التلوم له فيما حل عليه من نجومه ، فأجله الحاكم المذكور في ذلك أجلا بقدر اجتهاده فانتهى بذلك الأجل ، ثم حضر المكاتب مجلس نظره فاعترف أنه لم يؤد ، وزعم أنه ساع في الأداء . فتلوم له تلوما قاطعا حاسما ، فانصرم ولم يؤد ، وأقر بذلك وادعى أنه طامع في الأداء ، فبان للقاضي عجزه فعجزه للعجز لما سأله فلان السيد ذلك ، وقضى برده في الرق وفسخ كتابته ، وعاد رقيقا لسيده ، بعد أن أعذر للمكاتب [ ص: 410 ] ولسيده فلان بما وجب أن يعذر به إليهما ، فلم يكن عند من أعذر إليه في ذلك مدفع ، فحكم عليه في ذلك وأمضاه ، وأشهد على نفسه الكريمة بثبوت ذلك عنده من حضر مجلس حكمه وقضائه ، وأبقى كل ذي حجة شرعية على حجته ، وهو في ذلك كله ثابت الحكم والقضاء وماضيهما بعد تقدم الدعوى المسموعة وما ترتب عليها ، وشهد عليه بذلك في تاريخ كذا .

                                                                                                                فـرع

                                                                                                                قال ابن القاسم في وثائقه : إذا غاب فحل عليه نجوم ، لم يعجزه السيد إلا بالحاكم ، ولا بد أن يثبت عنده أنه مملوك إلى حين عقد الكتابة ، وأنه غائب ، وحلول النجوم عليه ، وأنه لم يخلف شيئا ، فإذا ثبت بالبينة : حلف السيد ، ثم تلوم القاضي للغائب كما يتلوم للحاضر ، وإن لم يأت حتى انقضى الأجل لعجزه .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية