الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الطبراني في "الأوسط" عن ابن عمر ، أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أسري به إلى السماء أوحي إليه بالأذان، فنزل به فعلمه جبريل .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن مردويه عن علي ، أن النبي صلى الله عليه وسلم علم الأذان ليلة أسري به، وفرضت عليه الصلاة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن مردويه عن أنس، أن النبي صلى الله عليه وسلم فرضت عليه الصلاة ليلة [ ص: 216 ] أسري به .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد عن ابن عباس قال : فرض الله على نبيه صلى الله عليه وسلم الصلاة خمسين صلاة، فسأل ربه فجعلها خمس صلوات .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو داود، والبيهقي ، عن ابن عمر قال : كانت الصلاة خمسين، والغسل من الجنابة سبع مرات، وغسل البول من الثوب سبع مرات، فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل حتى جعلت الصلاة خمسا، وغسل الجنابة مرة، وغسل البول من الثوب مرة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج مسلم، والترمذي ، والنسائي ، وابن مردويه ، عن ابن مسعود قال : لما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم فانتهى إلى سدرة المنتهى، وإليها ينتهي ما يصعد به - وفي لفظ : يعرج به من الأرواح حتى يقبض منها - وإليها ينتهي ما يهبط من فوقها حتى يقبض، إذ يغشى السدرة ما يغشى [النجم : 16] . قال : غشيها فراش من ذهب، وأعطي رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلوات الخمس، وخواتيم سورة "البقرة"، وغفر لمن لا يشرك بالله شيئا من أمته المقحمات .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الطبراني عن ابن عباس : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "لما أسري بي، انتهيت إلى سدرة المنتهى، فإذا نبقها أمثال القلال" .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 217 ] وأخرج ابن مردويه عن أنس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما انتهى إلى سدرة المنتهى رأى فراشا من ذهب يلوذ بها .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن مردويه عن أسماء بنت أبي بكر قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول يصف سدرة المنتهى، فقال : "فيها فراش من ذهب، وثمرها كالقلال، وورقها كآذان الفيلة" . فقلت : يا رسول الله، ما رأيت عندها؟ قال : "رأيته عندها" . يعني ربه عز وجل .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن ماجه ، وابن مردويه ، عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ما مررت ليلة أسري بي بملأ من الملائكة إلا قالوا : يا محمد، مر أمتك بالحجامة" .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد ، وابن ماجه ، والحاكم وصححه، وابن مردويه ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ما مررت بملأ من الملائكة ليلة أسري بي إلا قالوا : عليك بالحجامة" . وفي لفظ : "مر أمتك بالحجامة" .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن مردويه عن علي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ما مررت على ملأ من الملائكة ليلة أسري بي إلا أمروني بالحجامة" .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "بعثني الله [ ص: 218 ] ليلة أسري بي إلى يأجوج ومأجوج، فدعوتهم إلى دين الله وعبادته، فأبوا أن يجيبوني، فهم في النار مع من عصى من ولد آدم وولد إبليس" .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج سعيد بن منصور ، وابن سعد، والطبراني في "الأوسط"، وابن مردويه ، عن أبي هريرة قال : لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به، فكان بذي طوى قال : "يا جبريل ، إن قومي لا يصدقوني" . قال : "يصدقك أبو بكر، وهو الصديق" .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الحاكم وصححه، وابن مردويه ، والبيهقي في "الدلائل"، عن عائشة قالت : لما أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى المسجد الأقصى، أصبح يحدث الناس بذلك، فارتد ناس ممن كانوا آمنوا به وصدقوه، وسعوا بذلك إلى أبي بكر، فقالوا : هل لك في صاحبك، يزعم أنه أسري به الليلة إلى بيت المقدس؟ قال : أو قال ذلك؟ قالوا : نعم . قال : لئن قال ذلك لقد صدق . قالوا : فتصدقه أنه ذهب الليلة إلى بيت المقدس، وجاء قبل أن يصبح؟ قال : نعم، إني لأصدقه بما هو أبعد من ذلك؛ أصدقه بخبر السماء في غدوة أو روحة . فلذلك سمي أبو بكر الصديق . [ ص: 219 ] وأخرج ابن أبي شيبة ، وأحمد ، والنسائي ، والبزار ، والطبراني ، وابن مردويه ، وأبو نعيم في "الدلائل"، والضياء في "المختارة"، وابن عساكر ، بسند صحيح، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لما كان ليلة أسري بي، فأصبحت بمكة قطعت وعرفت أن الناس مكذبي، فقعدت معتزلا حزينا" . فمر به عدو الله أبو جهل، فجاء حتى جلس إليه، فقال له كالمستهزئ : هل كان من شيء؟ قال : "نعم" . قال : وما هو؟ قال : "قال أني أسري بي الليلة" . قال : إلى أين؟ قال : "إلى بيت المقدس" . قال : ثم أصبحت بين ظهرانينا؟ قال : "نعم" . قال : فلم يره أنه يكذبه؛ مخافة أن يجحده الحديث إن دعا قومه إليه . قال : أرأيت إن دعوت قومك أتحدثهم ما حدثتني؟ قال : "نعم" . قال : هيا يا معشر بني كعب بن لؤي . فانقضت إليه المجالس، وجاءوا حتى جلسوا إليهما . قال : حدث قومك بما حدثتني . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أني أسري بي الليلة" . قالوا : إلى أين؟ قال : "إلى بيت المقدس" . قالوا : ثم [ ص: 220 ] أصبحت بين ظهرانينا! قال : "نعم" . قال : فمن بين مصفق، ومن بين واضع يده على رأسه متعجبا . قالوا : وتستطيع أن تنعت لنا المسجد؟ وفي القوم من قد سافر إليه . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "فذهبت أنعت، فما زلت أنعت حتى التبس علي بعض النعت، فجيء بالمسجد وأنا أنظر إليه، حتى وضع دون دار عقيل، أو عقال، فنعته وأنا أنظر إليه" . فقال القوم أما النعت فوالله لقد أصاب .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البخاري ، ومسلم ، والترمذي ، والنسائي ، وابن جرير ، عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لما كذبتني قريش حين أسري بي إلى بيت المقدس قمت في الحجر، فجلى الله لي بيت المقدس، فطفقت أخبرهم عن آياته وأنا أنظر إليه" .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو نعيم في "الدلائل" عن عروة قال : قالت قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم لما أخبرهم بمسراه إلى بيت المقدس : أخبرنا ماذا ضل عنا وائتنا بآية ما تقول . فقال [ ص: 221 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ضلت منكم ناقة ورقاء، عليها بز لكم" . فلما قدمت عليهم قالوا : انعت لنا ما كان عليها . ونشر له جبريل ما كان عليها كله ينظر إليه، فأخبرهم بما كان عليها، وهم قيام ينظرون، فزادهم ذلك شكا وتكذيبا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البيهقي في "الدلائل" عن السدي قال : لما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبر قومه بالرفقة والعلامة في العير قالوا : فمتى تجيء؟ قال : "يوم الأربعاء" . فلما كان ذلك اليوم أشرفت قريش ينظرون، وقد ولى النهار ولم تجئ، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم، فزيد له في النهار ساعة، وحبست عليه الشمس، فلم ترد الشمس على أحد إلا على رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ، وعلى يوشع بن نون حين قاتل الجبارين .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة في "المصنف"، وابن جرير ، عن عبد الله بن شداد قال : لما أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم أتي بدابة دون البغل وفوق الحمار، يضع حافره عند منتهى طرفه، يقال له : البراق . ومر رسول الله صلى الله عليه وسلم بعير للمشركين، فنفرت فقالوا : يا هؤلاء، ما هذا؟ فقالوا : ما نرى شيئا، ما هذه إلا ريح . حتى أتى بيت المقدس، فأتي بإناءين؛ في أحدهما خمر، وفي الآخر لبن، فأخذ اللبن، [ ص: 222 ] فقال له جبريل : هديت وهديت أمتك .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن سعد ، وابن عساكر ، عن الواقدي، عن أبي بكر بن عبد الله بن أبي سبرة وغيره من رجاله قالوا : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل ربه أن يريه الجنة والنار، فلما كان ليلة السبت لسبع عشرة خلت من رمضان قبل الهجرة بثمانية عشر شهرا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم [253ظ] نائم في بيته ظهرا، أتاه جبريل وميكائيل، فقالا : انطلق إلى ما سألت الله . فانطلقا به إلى ما بين المقام وزمزم، فأتي بالمعراج، فإذا هو أحسن شيء منظرا، فعرجا به إلى السماوات سماء، سماء فلقي فيها الأنبياء، وانتهى إلى سدرة المنتهى، ورأى الجنة والنار . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ولما انتهيت إلى السماء السابعة لم أسمع إلا صريف الأقلام" . وفرضت عليه الصلوات الخمس، ونزل جبريل فصلى برسول الله صلى الله عليه وسلم الصلوات في مواقيتها .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن مردويه عن أنس قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أسري به، ريحه ريح عروس، وأطيب من ريح عروس .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن مردويه عن جبر قال : سمعت سفيان الثوري وسئل عن ليلة [ ص: 223 ] أسري به فقال : أسري ببدنه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو نعيم في "الدلائل" عن محمد بن كعب القرظي قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم دحية الكلبي إلى قيصر وكتب إليه معه، فلقيه بحمص فدعا الترجمان، فإذا في الكتاب : "من محمد رسول الله، إلى قيصر صاحب الروم" . فغضب أخ له وقال : تنظر في كتاب رجل بدأ بنفسه قبلك، وسماك قيصر صاحب الروم ولم يذكر لك ملكا؟ قال له قيصر : إنك والله ما علمت، أحمق صغيرا، مجنون كبيرا؛ أتريد أن تحرق كتاب رجل قبل أن أنظر فيه؟ فلعمري لئن كان رسول الله كما يقول، فنفسه أحق أن يبدأ بها مني، وإن كان سماني صاحب الروم فقد صدق، ما أنا إلا صاحبهم وما أملكهم، ولكن الله سخرهم لي، ولو شاء لسلطهم علي .

                                                                                                                                                                                                                                      ثم قرأ قيصر الكتاب، فقال : يا معشر الروم، إني لأظن هذا الذي بشر به عيسى ابن مريم، ولو أعلم أنه هو مشيت إليه حتى أخدمه بنفسي، لا يسقط وضوءه إلا على يدي . قالوا : ما كان الله ليجعل ذلك في الأعراب الأميين ويدعنا ونحن أهل الكتاب . قال : فأصل الهدى عندي بيني وبينكم الإنجيل، ندعو به فنفتحه، فإن كان هو إياه اتبعناه، وإلا أعدنا عليه خواتمه كما كانت، إنما هي خواتم مكان خواتم .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 224 ] قال : وعلى الأنجيل يومئذ اثنا عشر خاتما من ذهب، ختم عليه هرقل، فكان كل ملك يليه بعده ظاهر عليه بخاتم آخر، حتى ألقي ملك قيصر وعليه اثنا عشر خاتما، يخبر أولهم لآخرهم أنه لا يحل لهم أن يفتحوا الإنجيل في دينهم، وأنه يوم يفتحونه يغير دينهم ويهلك ملكهم .

                                                                                                                                                                                                                                      فدعا بالإنجيل ففض عنه أحد عشر خاتما حتى بقي عليه خاتم واحد، فقامت الشمامسة والأساقفة والبطارقة، فشقوا ثيابهم، وصكوا وجوههم، ونتفوا رءوسهم . قال : ما لكم؟ قالوا : اليوم يهلك ملك بيتك، ويتغير دين قومك . قال : فأصل الهدى عندي . قالوا : لا تعجل حتى نسأل عن هذا ونكاتبه وننظر في أمره . قال : فمن نسأل عنه؟ قالوا : قوما كثيرا بالشام .

                                                                                                                                                                                                                                      فأرسل يبتغي قوما ليسألهم، فجمع له أبو سفيان وأصحابه، فقال : أخبرني يا أبا سفيان عن هذا الرجل الذي بعث فيكم . فلم يأل أن يصغر أمره ما استطاع، قال : أيها الملك، لا يكبر عليك شأنه، إنا لنقول : هو ساحر . ونقول : هو شاعر . ونقول : هو كاهن . قال قيصر : كذلك والذي نفسي بيده كان يقال [ ص: 225 ] للأنبياء قبله، قال : أخبرني موضعه فيكم .

                                                                                                                                                                                                                                      قال : هو أوسطنا سطة . قال : كذلك يبعث الله كل نبي من أوسط قومه، أخبرني عن أصحابه . قال : غلماننا وأحداث أسنانهم والسفهاء، أما رءساؤنا فلم يتبعه منهم أحد . قال : أولئك والله أتباع الرسل، أما الملأ والرءوس فتأخذهم الحمية، قال : أخبرني عن أصحابه، هل يفارقونه بعدما يدخلون في دينه؟ قال : ما يفارقه منهم أحد . قال : فلا يزال داخل منكم في دينه؟ قال : نعم .

                                                                                                                                                                                                                                      قال : ما تزيدونني عليه إلا بصيرة، والذي نفسي بيده، ليوشكن أن يغلب على ما تحت قدمي، يا معشر الروم، هلموا إلى أن نجيب هذا الرجل إلى ما دعا إليه، ونسأله الشام أن لا يوطأ علينا أبدا، فإنه لم يكتب قط نبي من الأنبياء إلى ملك من الملوك يدعوه إلى الله فيجيبه إلى ما دعاه، ثم يسأله مسألة إلا أعطاه مسألته ما كانت، فأطيعوني . قالوا : لا نطاوعك في هذا أبدا .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 226 ] قال أبو سفيان : والله ما يمنعني من أن أقول عليه قولا أسقطه من عينه، إلا أني أكره أن أكذب عنده كذبة يأخذها علي ولا يصدقني، حتى ذكرت قوله ليلة أسري به . قلت : أيها الملك، أنا أخبرك عنه خبرا تعرف أنه قد كذب . قال : وما هو؟ قلت : إنه يزعم لنا أنه خرج من أرضنا؛ أرض الحرم، في ليلة، فجاء مسجدكم هذا مسجد إيلياء، ورجع إلينا في تلك الليلة قبل الصباح .

                                                                                                                                                                                                                                      قال : وبطريق إيلياء عند رأس قيصر . قال البطريق : قد علمت تلك الليلة . فنظر قيصر وقال ما علمك بهذا؟

                                                                                                                                                                                                                                      قال : إني كنت لا أبيت ليلة حتى أغلق أبواب المسجد، فلما كانت تلك الليلة أغلقت الأبواب كلها غير باب واحد غلبني، فاستعنت عليه عمالي ومن يحضرني كلهم، فعالجته فلم نستطع أن نحركه، كأنما نزاول به جبلا، فدعوت النجاجرة، فنظروا إليه، فقالوا : هذا باب سقط عليه النجاف والبنيان، فلا نستطيع أن نحركه حتى نصبح فننظر من أين أتي . فرجعت وتركته مفتوحا، فلما أصبحت غدوت، فإذا الحجر الذي من زاوية الباب مثقوب . وإذا فيه أثر مربط الدابة، فقلت لأصحابي : ما حبس هذا الباب الليلة إلا على نبي، وقد صلى الليلة في مسجدنا .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 227 ] فقال قيصر : يا معشر الروم، أليس تعلمون أن بين عيسى وبين الساعة نبيا بشركم به عيسى؟ وهذا هو النبي الذي بشر به عيسى، فأجيبوه إلى ما دعا إليه .

                                                                                                                                                                                                                                      فلما رأى نفورهم قال : يا معشر الروم، دعاكم ملككم يختبركم كيف صلابتكم في دينكم، فشتمتموه وسببتموه وهو بين أظهركم! فخروا له سجدا .


                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الواسطي في "فضائل بيت المقدس" عن كعب : أن النبي صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به وقف البراق في الموقف الذي كان يقف فيه الأنبياء قبل، ثم دخل من باب النبي، و جبريل أمامه، فأضاء له ضوء كما تضيء الشمس، ثم تقدم جبريل أمامه، حتى كان من شامي الصخرة، فأذن جبريل ونزلت الملائكة من السماء، وحشر الله له المرسلين، فأقام الصلاة، ثم تقدم جبريل ، فصلى النبي صلى الله عليه وسلم بالملائكة والمرسلين، ثم تقدم قدام ذلك إلى الموضع، فوضع له مرقاة من ذهب ومرقاة من فضة، وهو المعراج، حتى عرج جبريل والنبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الواسطي ، من طريق أبي حذيفة مؤذن بيت المقدس، عن جدته، أنها رأت صفية زوج النبي صلى الله عليه وسلم وكعب يقول لها : يا أم المؤمنين، صلي ههنا، فإن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بالنبيين حين أسري به ههنا ونشروا . وأومأ أبو حذيفة [ ص: 228 ] بيده على القبة القصوى في دبر الصخرة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الواسطي عن الوليد بن مسلم قال : حدثني بعض أشياخنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ظهر على بيت المقدس ليلة أسري به، فإذا عن يمين المسجد وعن يساره نوران ساطعان، "فقلت : يا جبريل ، ما هذان النوران؟ فقال : أما هذا الذي عن يمينك فإنه محراب أخيك داود، وأما هذا الذي عن يسارك فعلى قبر أختك مريم" .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن إسحاق ، وابن جرير ، وابن المنذر ، عن الحسن بن أبي الحسن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "بينا أنا نائم في الحجر جاءني جبريل فهمزني برجله، فجلست فلم أر شيئا، فعدت لمضجعي، فجاءني الثانية فهمزني بقدمه، فجلست فلم أر شيئا، فعدت لمضجعي، فجاءني فهمزني بقدمه، فجلست فأخذ بعضدي، فقمت معه، فخرج إلى باب المسجد، فإذا دابة أبيض بين الحمار والبغل، له في فخذيه جناحان يحفز بهما رجليه، يضع يده في منتهى طرفه، فحملني عليه، ثم خرج لا يفوتني ولا أفوته" .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم ، من طريق السدي ، عن أبي مالك، وأبي صالح، عن ابن عباس ، وعن مرة الهمداني، عن ابن مسعود في قوله : سبحان الذي أسرى [ ص: 229 ] بعبده الآية . قال : أتى جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة، فحمله على البراق، فسار به إلى بيت المقدس، فمر بأبي سفيان في بعض الطريق وهو يحتلب ناقة، فنفرت من حس البراق فأهراقت اللبن، فسب أبو سفيان من أنفرها، وند جمل لهم أورق، فذهب إلى بعض المياه فطلبوه فأخذوه، ومر بواد فنفخ عليه من ريح المسك، فسأل جبريل : "ما هذا الريح؟" . فقال : هؤلاء أهل بيت من المسلمين، حرقوا بالنار في الله عز وجل .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم عن عبد الله بن حوالة الأزدي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "رأيت ليلة أسري بي عمودا أبيض، كأنه لؤلؤة، تحمله الملائكة، قلت : ما تحملون؟ قالوا : عمود الإسلام، أمرنا أن نضعه بالشام" .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله : سبحان الذي أسرى بعبده ليلا . قال : أسري به من شعب أبي طالب .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن إسحاق ، وابن جرير ، عن عائشة قالت : ما فقدت جسد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن الله أسرى بروحه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن إسحاق ، وابن جرير ، عن معاوية بن أبي سفيان : أنه كان إذا [ ص: 230 ] سئل عن مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : كانت رؤيا من الله صادقة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن النجار في "تاريخه" عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أتاني جبريل بالبراق" فقال له أبو بكر : قد رأيتها يا رسول الله . قال : "صفها لي" . قال : بدنة . قال : "صدقت، قد رأيتها يا أبا بكر" .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الخطيب عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لما أسري بي إلى السماء قربني ربي تعالى، حتى كان بيني وبينه كقاب قوسين أو أدنى، لا بل أدنى، وعلمني السمات، قال : يا محمد . قلت : لبيك يا رب . قال : هل غمك [254و] أن جعلتك آخر النبيين؟ قلت : يا رب، لا . قال : فهل غم أمتك أن جعلتهم آخر الأمم؟ قلت : يا رب، لا . قال : أبلغ أمتك عني السلام وأخبرهم أني جعلتهم آخر الأمم، لأفضح الأمم عندهم، ولا أفضحهم عند الأمم" .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الطبراني عن أم هانئ قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أسري به : "إني أريد أن أخرج إلى قريش فأخبرهم" . فأخبرهم . فكذبوه، وصدقه أبو بكر، فسمي يومئذ الصديق .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 231 ] وأخرج ابن جرير من طريق ابن شهاب قال : أخبرني ابن المسيب وأبو سلمة بن عبد الرحمن، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أسري به على البراق، وهي دابة إبراهيم التي كان يزور عليها البيت الحرام، يقع حافرها موضع طرفها . قال : فمرت بعير من عيرات قريش بواد من تلك الأودية فنفرت، فإذا بعير عليه غرارتان؛ سوداء وزرقاء، حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم إيلياء، فأتي بقدحين؛ قدح خمر وقدح لبن، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم اللبن، قال له جبريل : هديت إلى الفطرة، لو أخذت قدح الخمر غوت أمتك .

                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن شهاب : فأخبرني ابن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لقي هناك إبراهيم وموسى وعيسى، فنعتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال : "أما موسى فضرب رجل الرأس، كأنه من رجال شنوءة، وأما عيسى فرجل أحمر، كأنما خرج من ديماس، فأشبه من رأيت به عروة بن مسعود الثقفي، وأما إبراهيم فأنا أشبه ولده به" .

                                                                                                                                                                                                                                      فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم حدث قريشا أنه أسري به، فارتد ناس كثير بعدما أسلموا . قال أبو سلمة : فأتى أبو بكر الصديق فقيل له : هل لك في صاحبك، يزعم أنه أسري به إلى بيت المقدس، ثم رجع في ليلة واحدة؟ قال أبو بكر : أوقال ذلك؟ قالوا : نعم . قال : فأشهد إن كان قال ذلك لقد صدق . قالوا : أفتشهد أنه جاء الشام في ليلة واحدة؟ قال : إني أصدقه بأبعد من ذلك؛ أصدقه بخبر السماء .


                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 232 ] وأخرج عبد الرزاق في "المصنف" عن ابن جريج قال : قال نافع بن جبير وغيره : لما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم من الليلة التي أسري به فيها، لم يرعه إلا جبريل يتدلى حين زاغت الشمس، ولذلك سميت الأولى، فأمر فصيح في الناس : الصلاة جامعة . فاجتمعوا، فصلى جبريل بالنبي صلى الله عليه وسلم، وصلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ طول للناس الركعتين، يعني الأوليين، ثم قصر الباقيتين، ثم سلم جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم، وسلم النبي صلى الله عليه وسلم على الناس، ثم في العصر عمل مثل ذلك، ففعلوا كما فعلوا في الظهر، ثم نزل في أول الليل، فصيح : الصلاة جامعة . فصلى جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم، وصلى النبي صلى الله عليه وسلم للناس؛ طول في الأوليين وقصر في الثالثة، ثم سلم جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم سلم النبي صلى الله عليه وسلم على الناس، ثم لما ذهب ثلث الليل نزل، فصيح : الصلاة جامعة . فاجتمعوا فصلى جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم، وصلى النبي صلى الله عليه وسلم للناس، فقرأ في الأوليين فطول وجهر، وقصر في الباقيتين، ثم سلم جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم، وسلم النبي صلى الله عليه وسلم على الناس، ثم لما طلع الفجر صيح : الصلاة جامعة . فصلى جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم، وصلى النبي صلى الله عليه وسلم للناس، فقرأ فيهما وجهر وطول ورفع صوته، ثم سلم جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم، وسلم النبي صلى الله عليه وسلم على الناس .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية