الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                745 ص: فهذا وجه الباب من طريق تصحيح معاني الآثار، وأما من طريق النظر فإنا رأينا الغائط والبول إذا غسلا بالماء مرة، فذهب بذلك أثرهما وريحهما حتى لم يبق شيء من ذلك، أن مكانهما قد طهر بذلك، ولو لم يذهب بذلك لونهما ولا ريحهما احتيج إلى غسله ثانيا، فإن غسلا ثانيا فذهب لونهما وريحهما طهر بذلك كما يطهر بالواحدة ولو لم يذهب لونهما ولا ريحهما بغسل مرتين احتيج إلى أن يغسلا بعد ذلك حتى يذهب لونهما وريحهما.

                                                فكان ما يراه في غسلهما معلوما لا يجزئ ما هو أقل منه، فالنظر على ذلك أن يكون كذلك الاستجمار بالحجارة، لا يراد من الحجارة في ذلك مقدار معلوم لا يجزئ الاستجمار بأقل منه، ولكن يجزئ من ذلك ما أذهب النجاسة، مما قل أو كثر فهذا هو النظر، وهو قول أبي حنيفة ، وأبي يوسف ، ومحمد رحمهم الله.

                                                التالي السابق


                                                ش: أشار بهذا إلى ما قاله، من قوله: "ففي هذا الحديث ما يدل أن النبي -عليه السلام- قعد للغائط في مكان ليس فيه أحجار"، إلى قوله: "ففي تركه ذلك دليل على اكتفائه بالحجرين"، وإنما ذكر قوله للغائط في مكان إلى قوله من غير ذلك المكان تمهيدا، وبسطا لجواب سؤال يأتي من قبل الخصم، وهو أن يقول: يحتمل أن يكون اكتفاء النبي -عليه السلام- بالحجرين، وعدم طلبه الثالث لكون الثالث موجودا عنده، فلذلك لم يطلب منه الثالث، فقال: لا نسلم ذلك؛ لأن قعوده -عليه السلام- للغائط كان في مكان ليس فيه أحجار، إذ لو كانت هناك أحجار لما قال له: ائتني بثلاثة أحجار؛ لأنه لا فائدة لطلب أحجار وهي حاصلة عنده وهذا معلوم بالضرورة.

                                                فإن قيل: لو لم يكن تعيين الثلاث مفيدا، لما قال: ائتني بثلاثة أحجار.

                                                [ ص: 512 ] قلت: كان ذلك للاحتياط؛ لأن التطهير بواحد أو اثنين لم يكن محققا، فلذلك نص على الثلاث، وبالثلاث يحصل التطهير غالبا.

                                                ونحن أيضا نقول: إذا تحقق شخص أنه لا يطهر إلا بالثلاث، تعين عليه الثلاث، والتعين ليس لأجل التوقيت فيه، وإنما هو للإنقاء الحاصل منه، حتى إذا احتاج إلى رابع أو خامس وهلم جرا، يتعين عليه ذلك.

                                                قوله: "وأما من طريق النظر" أي القياس الصحيح، وهو ظاهر لا يحتاج إلى بيان، وبالله المستعان في كل شأن.




                                                الخدمات العلمية