الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
2131 - ( 3 ) - حديث أبي بردة بن نيار : { أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا يجلد فوق عشرة أسواط ، إلا في حد من حدود الله }. متفق عليه ، وتكلم في إسناده ابن المنذر ، والأصيلي من جهة الاختلاف فيه ، وقال البيهقي : قد وصل عمرو بن الحارث إسناده ، فلا يضر تقصير من قصر فيه ، وقال الغزالي : صححه بعض الأئمة ، وتعقبه الرافعي في التذنيب فقال : أراد بقوله : بعض الأئمة ، صاحب التقريب ، ولكن الحديث أظهر أن تضاف صحته إلى فرد من الأئمة فقد صححه البخاري ومسلم .

قوله : والأظهر أنه تجوز الزيادة على العشر ، وإنما المراعى النقصان عن الحد ، وأما الحديث المذكور فمنسوخ على ما ذكره بعضهم ، واحتج بعمل الصحابة بخلافه من غير إنكار ، انتهى .

وقد قال الإصطخري : " أحب أن يضرب بالدرة ، فإن [ ص: 149 ] ضرب بالسياط فأحب أن لا يزاد على العشرة ، فإن ضرب بالدرة فلا يزاد على التسعة وثلاثين " . انتهى ، وتفريقه بين السياط والدرة مستفاد من تقييد الخبر بالأسواط ، وفيه نظر . وقال البيهقي : روي عن الصحابة في مقدار التعزير آثار مختلفة ، وأحسن ما يصار إليه في هذا ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم ذكر حديث أبي بردة بن نيار من طرق ، ثم روى بإسناده إلى مغيرة بن مقسم ، قال : كتب عمر بن عبد العزيز : " ألا يبلغ في التعزير أدنى الحدود ، أربعين سوطا " . قلت : فتبين بما نقله البيهقي من اختلاف الصحابة : أن لا اتفاق على عمل في ذلك ، فكيف يدعى نسخ الحديث الثابت ، ويصار إلى ما يخالفه من غير برهان ، وسبق إلى دعوى عمل الصحابة بخلافه الأصيلي وجماعة ، وعمدتهم كون عمر جلد في الخمر ثمانين ، وأن الحد الأصلي أربعون ، والثانية ضربها تعزيرا ، لكن حديث علي المتقدم دال على أن عمر إنما ضرب ثمانين معتقدا أنها الحد ، وسيأتي قريبا ما يؤيد ذلك ، وأما النسخ فلا يثبت إلا بدليل ، نعم لو ثبت الإجماع لدل على أن هناك ناسخا ، وذكر بعض المتأخرين أن الحديث محمول على التأديب الصادر من غير الولاة ، كالسيد يضرب عبده ، والزوج امرأته ، والأب ولده ، والله أعلم

التالي السابق


الخدمات العلمية