الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                وتالله لأكيدن أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين فجعلهم جذاذا إلا كبيرا لهم لعلهم إليه يرجعون

                                                                                                                                                                                                قرأ معاذ بن جبل : "بالله " ، وقرئ : "تولوا" بمعنى : تتولوا ، ويقويها قوله : فتولوا عنه مدبرين [الصافات : 90 ] .

                                                                                                                                                                                                فإن قلت : ما الفرق بين الباء والتاء ؟

                                                                                                                                                                                                قلت : أن الباء هي الأصل ، والتاء : بدل من الواو المبدلة ، منها ، وأن التاء فيها زيادة معنى وهو التعجب ، كأنه تعجب من تسهل الكيد على يده وتأتيه ؛ لأن ذلك كان أمرا مقنوطا منه لصعوبته وتعذره ، ولعمري ، إن مثله صعب متعذر في كل زمان ، خصوصا في زمن نمروذ مع عتوه واستكباره وقوة سلطانه وتهالكه على نصرة دينه .

                                                                                                                                                                                                ولكن : [من الطويل ]


                                                                                                                                                                                                إذا الله سنى عقد شيء تيسرا



                                                                                                                                                                                                روي أن آزر خرج به في يوم عيد لهم ، فبدؤوا ببيت الأصنام فدخلوه وسجدوا لها ، ووضعوا بينها طعاما خرجوا به معهم ، وقالوا : إلى أن نرجع بركت الآلهة على طعامنا ، فذهبوا وبقي إبراهيم فنظر إلى الأصنام ، وكانت سبعين صنما مصطفة ، وثم صنم عظيم مستقبل الباب ، وكان من ذهب في عينيه جوهرتان تضيئان بالليل ، فكسرها كلها بفأس في يده ، حتى إذا لم يبق إلا الكبير علق الفأس في عنقه ، عن قتادة : قال ذلك سرا من قومه ، وروي : سمعه رجل واحد ، "جذاذا" قطاعا ، من الجذ وهو القطع ، وقرئ بالكسر والفتح ، وقرئ : "جذذا " : جمع جذيذ ، و "جذذا " : جمع جذة ، وإنما استبقى الكبير ؛ لأنه غلب في ظنه أنهم لا يرجعون إلا إليه ، لما تسامعوه من إنكاره لدينهم وسبه لآلهتهم ، فيبكتهم بما أجاب به من قوله : بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم [الأنبياء : 63 ] ، وعن الكلبي : "إليه " : إلى كبيرهم ، ومعنى هذا : لعلهم يرجعون إليه كما يرجع إلى العالم في حل المشكلات ، فيقولون له : ما لهؤلاء مكسورة وما لك صحيحا والفأس على عاتقك ؟ [ ص: 152 ] قال : هذا بناء على ظنه بهم ، لما جرب وذاق من مكابرتهم لعقولهم واعتقادهم في آلهتهم وتعظيمهم لها ، أو قاله مع علمه أنهم لا يرجعون إليه ؛ استهزاء بهم واستجهالا ، وأن قياس حال من يسجد له ويؤهله للعبادة أن يرجع إليه في حل كل مشكل .

                                                                                                                                                                                                فإن قلت : فإذا رجعوا إلى الصنم بمكابرتهم لعقولهم ورسوخ الإشراك في أعراقهم ، فأي فائدة دينية في رجوعهم إليه حتى يجعله إبراهيم -صلوات الله عليه- غرضا ؟

                                                                                                                                                                                                قلت : إذا رجعوا إليه تبين أنه عاجز لا ينفع ولا يضر ، وظهر أنهم في عبادته على جهل عظيم .

                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية