الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ( وأما ) الثاني - وهو بيان الوقت المستحب للتيمم ، فقد قال أصحابنا : إن المسافر إذا كان على طمع من وجود الماء في آخر الوقت يؤخر التيمم إلى آخر الوقت ، وإن لم يكن على طمع من وجود الماء في آخر الوقت لا يؤخر .

                                                                                                                                وهكذا روى المعلى عن أبي حنيفة وأبي يوسف أنه إن كان على طمع من وجود الماء في آخر الوقت ، أخر إلى آخر الوقت مقدار ما لو لم يجد الماء يمكنه أن يتيمم ويصلي في الوقت ، وإن لم يكن على طمع لا يؤخر ويتيمم ويصلي في الوقت المستحب ، وذكر في الأصل أحب إلي أن يؤخر التيمم إلى آخر الوقت ولم يفصل بين ما إذا [ ص: 55 ] كان يرجو وجود الماء في آخره أو لا يرجو .

                                                                                                                                وهذا لا يوجب اختلاف الرواية بل يجعل رواية المعلى تفسيرا لما أطلقه في الأصل وهو قول جماعة من التابعين ، مثل الزهري والحسن وابن سيرين رضي الله عنهم فإنهم قالوا : يؤخر التيمم إلى آخر الوقت إذا كان يرجو وجود الماء .

                                                                                                                                وقال جماعة : لا يؤخر ما لم يستيقن بوجود الماء في آخر الوقت وبه أخذ الشافعي .

                                                                                                                                وقال مالك : المستحب له أن يتيمم في وسط الوقت والصحيح قولنا ; لما روي عن علي رضي الله عنه أنه قال في مسافر أجنب يتلوم إلى آخر الوقت ، ولم يرو عن غيره من الصحابة خلافه فيكون إجماعا والمعنى فيه أن أداء الصلاة بطهارة الماء أفضل ; لأنها أصل والتيمم بدل ; ولأنها طهارة حقيقة وحكما ; والتيمم طهارة حكما لا حقيقة ; فإذا كان يرجو وجود الماء في آخر الوقت كان في التأخير أداء الصلاة بأكمل الطهارتين فكان التأخير مستحبا ، فأما إذا لم يرج لا يستحب إذ لا فائدة في التأخير ، ولو تيمم في أول الوقت وصلى فإن كان عالما أن الماء قريب بأن كان بينه وبين الماء أقل من ميل لم تجز صلاته بلا خلاف ، لأنه واجد للماء ، وإن كان ميلا فصاعدا جازت صلاته وإن كان يمكنه أن يذهب ويتوضأ ويصلي في الوقت ، وعند زفر لا يجوز لما يذكر وإن لم يكن عالما بقرب الماء أو بعده تجوز صلاته ، سواء كان يرجو وجود الماء في آخر الوقت أو لا ، سواء كان بعد الطلب أو قبله عندنا خلافا للشافعي ; لما مر أن العدم ثابت ظاهرا ، واحتمال الوجود احتمال لا دليل عليه فلا يعارض الظاهر ، ولو أخبر في آخر الوقت أن الماء بقرب منه بأن كان بينه وبين الماء أقل من ميل لكنه يخاف لو ذهب إليه وتوضأ تفوته الصلاة عن وقتها ، لا يجوز له التيمم بل يجب عليه أن يذهب ويتوضأ ويصلي خارج الوقت عند أصحابنا الثلاثة ، وعند زفر يجزئه التيمم ، والأصل أن المعتبر عند أصحابنا الثلاثة القرب والبعد لا الوقت ، وعند زفر المعتبر هو الوقت لا قرب الماء وبعده .

                                                                                                                                وجه قوله أن التيمم شرع للحاجة إلى أداء الصلاة في الوقت ، فكان المنظور إليه هو الوقت فيتيمم كي لا تفوته الصلاة عن الوقت كما في صلاة الجنازة والعيدين .

                                                                                                                                ( ولنا ) أن هذه الصلاة لا تفوته أصلا بل إلى خلف وهو القضاء ، والفائت إلى خلف قائم معنى بخلاف صلاة الجنازة والعيدين ; لأنها تفوت أصلا لما يذكر في موضعه فجاز التيمم فيها لخوف الفوات والله أعلم .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية