الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر خروج محمد بن عبادة على هارون وكلاهما خارجيان

في هذه السنة خرج محمد بن عبادة ، ويعرف بأبي جوزة ، وهو من بني زهير من أهل قبراثا ، من البقعاء على هارون ، وكلاهما من الخوارج ، وكان أول أمره فقيرا ، وكان هو وابنان له يلتقطون الكمأة ويبيعونها ، إلى غير ذلك من الأعمال ، ثم إنه جمع جماعة ، وحكم ، فاجتمع إليه أهل تلك النواحي من الأعراب ، وقوي أمره ، وأخذ عشر الغلات ، وقبض الزكاة ، وسار إلى معلثايا ، فقاطعه أهلها على خمسمائة دينار ، ( وجبى تلك الأعمال ) ، وعاد وبنى عند سنجار حصنا ، وحمل إليه الأمتعة ، والميرة ، وجعل فيه ابنه أبا هلال ومعه مائة وخمسون رجلا من وجوه بني زهير ، وغيرهم .

ووصل خبرهم إلى هارون الشاري ، فاجتمع رأيه ورأي وجوه أصحابه على قصد الحصن أولا ، فإذا فرغوا منه ساروا إلى محمد بن عبادة ، فجمع أصحابه ، فبلغوا مائة راجل ، وألفا ومائتي فارس ، وسار إليه مبادرا ، وأحدق به وحصره ; ومحمد بن عبادة في [ ص: 477 ] قبراثا لا يعلم بذلك .

وجد هارون في قتال الحصن ، وكان معه سلاليم قد أخذها ، وزحف إليه وكان أصحابه قد منعوا أحدا يخرج رأسه من أعلى السور ، فلما رأى من معه من بني تغلب تغلبه على الحصن أعطوا من فيه من بني زهير الأمان بغير أمر هارون ، فشق عليه ، ولم يقدر على تغيير ذلك ، إلا أنه قتل أبا هلال بن محمد بن عبادة ، ونفرا معه قبل الأمان ، وفتحوا الحصن ، وملكوا ما فيه .

وساروا إلى محمد ، وهو بقبراثا ، فلقوه وهو في أربعة آلاف رجل فاقتتلوا ، فانهزم هارون ومن معه ، فوقف بعض أصحابه ونادى رجالا بأسمائهم فاجتمعوا نحو أربعين رجلا ، وحملوا على ميمنة محمد بن عبادة . فانهزمت الميمنة ، وعادت الحرب ، فانهزم محمد ومن معه ، ووضعوا السيف فيهم ، فقتلوا منهم ألفا وأربعمائة رجل ، وحجز بينهم الليل ، وجمع هارون ما لهم فقسمه بين أصحابه ، وانهزم محمد إلى آمد ، فأخذه صاحبها أحمد بن عيسى بن الشيخ ، بعد حرب ، فظفر به ، فأخذه أسيرا ، وسيره إلى المعتضد ، فسلخ جلده كما يسلخ الشاة .

التالي السابق


الخدمات العلمية