الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                756 [ ص: 529 ] ص: فثبت بهذه الآثار أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إنما نهى عن الاستنجاء بالعظام؛ لمكان الجن لا لأنها لا تطهر كما يطهر الحجر، وجميع ما ذهبنا إليه من الاستجمار بالعظام أنه يطهر قول أبي حنيفة ، وأبي يوسف ، ومحمد رحمهم الله.

                                                التالي السابق


                                                ش: أي بالأحاديث المروية عن عبد الله بن مسعود وأبي هريرة، والباقي ظاهر.

                                                وقد غمز البيهقي على الطحاوي ها هنا حيث يقول - بعد أن روى حديث سلمان ، وجابر ، وابن مسعود ، وأبي هريرة عن النبي -عليه السلام- "أنه نهى عن الاستنجاء بالعظم"، وحديث رويفع بن ثابت قال: "قال لي رسول الله -عليه السلام-: أخبر الناس أن من استنجى برجيع دابة أو عظم فإن محمدا منه بريء" -: وهذا كله يدل على أنه إذا استنجى بالعظم لم يقع موقعه، وكما جعل العلة في العظم أنه زاد الجن، جعل العلة في الرجيع أنه علف دواب الجن، وإن كان في الرجيع أنه نجس ففي العظم أنه لا ينظف لما فيه من الدسومة، وهذا جواب عما زعم الطحاوي في الفرق بينهما.

                                                قلت: كلام البيهقي عينه يشعر بالفرق الذي ذكره الطحاوي، ولكنه غفل عنه ذريعة للغمز عليه بأن قوله: "كما جعل العلة في العظم أنه زاد الجن... " إلى آخره، يشعر أن المنع عن الاستنجاء به هو كونه زادا للجن لا لكونه لا يطهر الحجر فإذا كان كذلك يقع الاستنجاء به، ولكنه يأثم لارتكابه النهي، وأما الروث فإنه نجس، والنجس لا يزيل النجس، ولا سيما إذا كان رطبا، فلذلك لا يقع به الاستنجاء موقعه، وهذا الفرق واضح كعين الشمس، فكيف يرده البيهقي على الطحاوي؟! على أن ابن حزم قد روى في "المحلى" أن عمر -رضي الله عنه- كان له عظم يستنجي به ثم

                                                [ ص: 530 ] يتوضأ، ويصلي" ولو لم يقع الاستنجاء بالعظم لما فعله عمر -رضي الله عنه-، ورأي عمر -رضي الله عنه- أقوى من رأي البيهقي، ومن رأي من هو أكبر منه، ولقد صدق القائل:


                                                فعين الرضى عن كل عيب كليلة ولكن عين السخط تبدي المساويا




                                                حسدوا الفتى إذ لم ينالوا ثناؤه والقوم أعداء له وخصوم






                                                الخدمات العلمية