الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            أبواب الهدايا والضحايا باب في إشعار البدن وتقليد الهدي كله [ ص: 117 ] عن ابن عباس { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الظهر بذي الحليفة ثم دعا ناقته فأشعرها في صفحة سنامها الأيمن وسلت الدم عنها وقلدها نعلين ، ثم ركب راحلته ، فلما استوت به على البيداء أهل بالحج . } رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي )

                                                                                                                                            2075 - ( وعن المسور بن مخرمة ومروان قالا : { خرج النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة في بضع عشرة مائة من أصحابه حتى إذا كانوا بذي الحليفة قلد النبي صلى الله عليه وسلم الهدي وأشعره وأحرم بالعمرة } رواه أحمد والبخاري وأبو داود )

                                                                                                                                            2076 - ( وعن عائشة قالت : { فتلت قلائد بدن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أشعرها وقلدها ثم بعث بها إلى البيت فما حرم عليه شيء كان له حلا } متفق عليه )

                                                                                                                                            2077 - ( وعن عائشة { أن النبي صلى الله عليه وسلم أهدى مرة إلى البيت غنما فقلدها } رواه الجماعة )

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            قوله : ( فأشعرها ) الإشعار هو أن يكشط جلد البدنة حتى يسيل دم ثم يسلته ، فيكون ذلك علامة على كونها هديا ، ويكون ذلك في صفحة سنامها الأيمن . وقد ذهب إلى مشروعيته الجمهور من السلف والخلف وروى الطحاوي عن أبي حنيفة كراهته والأحاديث ترد عليه وقد خالف الناس في ذلك حتى خالفه صاحباه أبو يوسف ومحمد واحتج على الكراهة بأنه من المثلة وأجاب الخطابي بمنع كونه منها ، بل هو باب آخر كالكي وشق أذن الحيوان فيصير علامة وغير ذلك من الوسم وكالختان والحجامة انتهى على أنه لو كان من المثلة لكان ما فيه من الأحاديث مخصصا له من عموم النهي عنها وقد روى الترمذي عن النخعي أنه قال بكراهة الإشعار وبهذا يتعقب على الخطابي وابن حزم في جزمهما بأنه لم يقل بالكراهة أحد غير أبي حنيفة

                                                                                                                                            قوله : ( وقلدها نعلين ) فيه دليل [ ص: 118 ] على مشروعية تقليد الهدي ، وبه قال الجمهور . قال ابن المنذر : أنكر مالك وأصحاب الرأي التقليد للغنم ، زاد غيره وكأنه لم يبلغهم الحديث انتهى . واحتجوا على عدم المشروعية بأنها تضعف عن التقليد وهي حجة أوهى من بيوت العنكبوت فإن مجرد تعليق القلادة مما لا يضعف به الهدي وأيضا إن فرض ضعفها عن بعض القلائد قلدت بما لا يضعفها وأيضا قد وردت السنة بالإشعار وهو لا يترك لكونه مظنة للضعف فكيف يترك ما ليس بمظنة لذلك مع ورود السنة به ، قيل : الحكمة في تقليد الهدي النعل أن فيه إشارة إلى السفر والجد فيه وقال ابن المنير : الحكمة فيه أن العرب تعد النعل مركوبة لكونها تقي صاحبها وتحمل عنه وعر الطريق ، فكأن الذي أهدى خرج عن مركوبه لله تعالى حيوانا وغيره كما خرج حين أحرم عن ملبوسه ومن ثم استحب تقليد نعلين لا واحدة وقد اشترط الثوري ذلك وقال غيره : تجزئ الواحدة وقال آخرون : لا تتعين النعل بل كل ما قام مقامها أجزأ .

                                                                                                                                            قوله : ( فتلت قلائد بدن رسول الله صلى الله عليه وسلم ) زاد البخاري في رواية من عهن كان عندي وفيه رد على من كره القلائد من الأوبار واختار أن تكون من نبات الأرض وهو منقول عن ربيعة ومالك وقد ترجم البخاري على هذا الحديث باب القلائد من العهن وهو الصوف . قوله : ( ثم بعث بها إلى البيت ) المهدي له حالان إما أن يقصد النسك ويسوق الهدي معه فيكون التقليد والإشعار عند الإحرام ، وإما أن يبعث بها ويقيم فيكونان عند البعث بها من المكان الذي هو مقيم به كما في هذا الحديث ولا يحرم عليه بعد البعث بها ما يحرم على المحرم لقولها : فما حرم عليه شيء كان له حلا قوله : ( غنما فقلدها ) فيه دليل على جواز أن يكون الهدي من الغنم وهو يرد على الحنفية ومن وافقهم أن الهدي لا يجزئ من الغنم ويرد على مالك ومن وافقه حيث قال : لا إن الغنم لا تقلد .




                                                                                                                                            الخدمات العلمية