الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
3- الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل ، للزمخشري :

كان الزمخشري عالما عبقريا فذا في النحو واللغة والأدب والتفسير ، وآراؤه في العربية يستشهد علماء اللغة بها لأصالتها ودقتها .

والزمخشري معتزلي الاعتقاد ، حنفي المذهب ، ألف كتاب " الكشاف " بما يدعم عقيدته ومذهبه .

واعتزاليات الزمخشري في تفسيره أمارة على حذقه ودهائه ومهارته ، فهو يأتي بالإشارات البعيدة ليضمنها معنى الآية في الانتصار للمعتزلة والرد على خصومهم . ولكنه في الجانب اللغوي كشف عن جمال القرآن وسحر بلاغته لما له من إحاطة [ ص: 359 ] بعلوم البلاغة والبيان والأدب والنحو والتصريف ، فكان مرجعا لغويا غنيا ، وهو يشير في مقدمته إلى هذا فيذكر أن من يتصدى للتفسير لا يغوص على شيء من حقائقه ، إلا رجل قد برع في علمين مختصين بالقرآن ، وهما " علم المعاني " ، و " علم البيان " . وتمهل في ارتيادهما آونة ، وتعب في التنقيب عنهما أزمنة ، وبعثته على تتبع مظانها همة في معرفة لطائف حجة الله ، وحرص على استيضاح معجزة رسول الله ، بعد أن يكون آخذا من سائر العلوم بحظ ، جامعا بين أمرين : تحقيق وحفظ ، كثير المطالعات ، طويل المراجعات ، قد رجع زمانا ورجع إليه . ورد عليه فارس في علم الإعراب ، مقدما في حملة الكتاب . وكان مع ذلك مسترسل الطبيعة منقادها ، مستقل القريحة وقادها " .

ويحلل ابن خلدون كتاب الكشاف للزمخشري في قوله عند الحديث عما يرجع إليه التفسير من معرفة اللغة والإعراب والبلاغة : " ومن أحسن ما اشتمل عليه هذا الفن من التفاسير ، كتاب الكشاف للزمخشري ، من أهل خوارزم العراق ، إلا أن مؤلفه من أهل الاعتزال في العقائد ، فيأتي بالحجاج على مذاهبهم الفاسدة ، حيث تعرض له في آي القرآن من طريق البلاغة ، فصار بذلك للمحققين من أهل السنة انحراف عنه ، وتحذير للجمهور من مكامنه ، مع إقرارهم برسوخ قدمه فيما يتعلق باللسان والبلاغة ، وإذا كان الناظر فيه واقفا مع ذلك على المذاهب السنية ، محسنا للحجاج عنها ، فلا جرم أنه مأمون من غوائله ، فلتغتنم مطالعته لغرابة فنونه في اللسان ، ولقد وصل إلينا في هذه العصور تأليف لبعض العراقيين ، وهو شرف الدين الطيبي من أهل توريز من عراق العجم ، شرح فيه كتاب الزمخشري هذا ، وتتبع ألفاظه ، وتعرض لمذاهبه في الاعتزال بأدلة تزيفها ، وتبين أن البلاغة إنما تقع في الآية على ما يراه أهل السنة ، لا على ما يراه المعتزلة ، فأحسن في ذلك ما شاء ، مع إمتاعه في سائر فنون البلاغة ، وفوق كل ذي علم عليم “ .

"

التالي السابق


الخدمات العلمية