الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      ( قال : ووافقنا أبو حنيفة وأحمد في سد ذرائع بيوع الآجال ) . وخالف الشافعي واحتج بقوله تعالى : { وأحل الله البيع وحرم الربا } وفي الصحيح { أنه عليه الصلاة والسلام أتى بتمر جنيب ، فقال : لا تفعلوا ولكن بيعوا تمر الجمع بالدراهم واشتروا بالدراهم جنيبا } . فهذا بيع صاع بصاعين وإنما توسط بينهما عقد الدراهم . وليس في الحديث أن العقد الثاني مع البائع الأول والكلام فيه . قلت : وأجاب أصحابنا بأن عائشة إنما قالت ذلك باجتهادها ، واجتهاد واحد من الصحابة لا يكون حجة على الآخر بالإجماع ، كما سبق نقله عن القاضي . ثم قولها معارض لفعل زيد بن أرقم . ثم إنما أنكرت ذلك لفساد البيعين فإن الأول فاسد لجهالة الأجل ، فإن وقت العطاء غير معلوم ، والثاني بناء على الأول ، فيكون أيضا فاسدا .

                                                      [ ص: 93 ] واعلم أن أبا العباس بن الرفعة رحمه الله - حاول تخريج قول الشافعي في الذرائع من نصه في باب إحياء الموات من الأم إذ قال بعدما ذكر النهي عن بيع الماء ليمنع به الكلأ ، وإنما يحتمل إنما كان ذريعة إلى منع ما أحل الله لم يحل ، وكذا ما كان ذريعة إلى إحلال ما حرم الله ما نصه : وإذا كان هكذا ففي هذا ما يثبت أن الذرائع إلى الحلال والحرام يشبه معاني الحلال والحرام . انتهى . ونازعه بعض المتأخرين وقال : إنما أراد الشافعي - رحمه الله - تحريم الوسائل لا سد الذرائع ، والوسائل مستلزمة المتوسل إليه . ومن هذا بيع الماء فإنه مستلزم عادة لمنع الكلأ الذي هو حرام . ونحن لا ننازع فيما يستلزم من الوسائل . قال : وكلام الشافعي في نفس الذرائع لا في سدها .

                                                      والنزاع بيننا وبين المالكية إنما هو في سدها . ثم قال : الذريعة ثلاثة أقسام : أحدها : ما يقطع بتوصيله إلى الحرام فهو حرام عندنا وعندهم . والثاني : ما يقطع بأنها لا توصل ولكن اختلطت بما يوصل ، فكان من الاحتياط سد الباب وإلحاق الصورة النادرة التي قطع بأنها لا توصل إلى الحرام بالغالب منها الموصل إليه . وهذا غلو في القول بسد الذرائع . والثالث : ما يحتمل ويحتمل . وفيه مراتب متفاوتة ويختلف الترجيح عندهم بسبب تفاوتها . قال : ونحن نخالفهم في جميعها إلا القسم الأول ، لانضباطه وقيام الدليل . انتهى . وقيل : أما القسم الأول فواضح ، بل نقول به في الواجبات كما نقول : ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب . أما مخالفتهم في الثاني فكذلك . وأما الثالث فلعله الذي حاول ابن الرفعة تخريج قول منه بما ذكره عن النص ، [ ص: 94 ] وقد عرف ما فيه .

                                                      واستشهد له أيضا بالوصي يبيع شقصا على اليتيم فلا يأخذ بالشفعة على الأصح عند الرافعي . وبالمريض يبيع الشقص بدون ثمن المثل أن الوارث لا يأخذ بالشفعة على وجه ، سدا لذريعة الشرع . وحاول ابن الرفعة بذلك تخريج وجه في مسألة العينة ولا يتأتى له هذا ، فتلك عقود قائمة بشروطها ولا خلل فيها وإن منعها الأئمة الثلاثة . وقد يقول بالقسم الثالث في مسائل : ( منها ) إقرار المريض للوارث على قول الإبطال ، وليس ذلك من سد الذرائع ، بل لأن المريض محجور عليه . ثم هو قول ضعيف . و ( منها ) إذا ادعت المجبرة محرمية أو رضاعا بعد العقد . قال ابن الحداد : يقبل قولها ، لأنه من الأمور الخفية ، وربما انفردت بعلمه . وقال ابن سريج : لا يقبل . وهو الصحيح ، لأن النكاح معلوم والأصل عدم المحرمية . وفتح هذا الباب طريق الفساد ، وليس هذا من سد الذرائع بل اعتماد على الأصل . قلت : ونص الشافعي - رحمه الله تعالى - في " البويطي " على كراهية التجميع بالصلاة في مسجد قد صليت فيه تلك الصلاة إذا كان له إمام راتب قال : وإنما كرهته لئلا يعمد قوم لا يرضون إماما فيصلون بإمام غيره . انتهى . وقال في الأم " في منع قرض الجارية التي يحل للمستقرض وطؤها : وتجويز ذلك يفضي إلى أن يصير ذريعة أن يطأها وهو يملك ردها . قال المحاملي : يعني أنه يستبيح بالقرض وطء الجارية ثم يردها على المقرض ، فيستبيح الوطء من غير عوض . قيل : وفيه منع الذرائع . .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية