الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثالثة : في الذات : روى عبد الله الأنصاري الهروي في الكتاب الذي سماه بالفاروق أخبارا تدل على هذا اللفظ :

                                                                                                                                                                                                                                            أحدها عن عائشة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " إن من أعظم الناس أجرا الوزير الصالح من أمير يطيعه في ذات الله " .

                                                                                                                                                                                                                                            وثانيها عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن إبراهيم لم يكذب إلا في ثلاث ثنتين في ذات الله " .

                                                                                                                                                                                                                                            وثالثها عن كعب بن عجرة عن أبيه - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لا تسبوا عليا فإنه كان مخشوشا في ذات الله " .

                                                                                                                                                                                                                                            ورابعها عن أبي ذر قال : سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أي الجهاد أفضل ؟ قال : " أن تجاهد نفسك وهواك في ذات الله " .

                                                                                                                                                                                                                                            وخامسها عن النعمان بن بشير عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن للشيطان مصايد وفخوخا منها البطر بأنعم الله ، والفخر بعطاء الله ، والكبر على عباد الله ، واتباع الهوى في غير ذات الله " .

                                                                                                                                                                                                                                            وأقول : إن كل شيء حصل به أمر من الأمور فإن كان اللفظ الدال على ذلك الشيء مذكرا قيل إنه ذو ذلك الأمر ، وإن كان مؤنثا قيل إنها ذات ذلك الأمر ، فهذه اللفظة وضعت لإفادة هذه النسبة والدلالة على ثبوت هذه الإضافة ، إذا عرفت هذا فنقول : إنه من المحال أن تثبت هذه الصفة لصفة ثانية ، وتلك الصفة الثانية تثبت لصفة ثالثة ، وهكذا إلى غير النهاية ، بل لا بد وأن تنتهي إلى حقيقة واحدة قائمة بنفسها مستقلة بماهيتها ، وحينئذ يصدق على تلك الحقيقة أنها ذات تلك الصفات ، فقولنا : إنها ذات كذا وكذا إنما يصدق في الحقيقة على تلك الماهية القائمة بنفسها ، فلهذا السبب جعلوا هذه اللفظة كاللفظة المفردة الدالة على هذه الحقيقة ، ولما كان الحق تعالى قيوما في ذاته كان إطلاق اسم الذات عليه حقا وصدقا ، وأما الأخبار التي رويناها عن الأنصاري الهروي فإن شيئا منها لا يدل على هذا المعنى ؛ لأنه ليس المراد من لفظ الذات فيها حقيقة الله تعالى وماهيته ، وإنما المراد منه طلب رضوان الله ، ألا ترى أنه قال : " لم يكذب إبراهيم إلا في ثلاث ثنتين في ذات الله " أي : في طلب مرضاة الله ، وهكذا الكلام في سائر الأخبار .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية