الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        799 حدثنا قتيبة بن سعيد قال حدثنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن عبد الله بن عمرو عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم علمني دعاء أدعو به في صلاتي قال قل اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله : ( عن أبي الخير ) هو اليزني بالتحتانية والزاي المفتوحتين ثم نون ، والإسناد كله سوى طرفيه مصريون ، وفيه تابعي عن تابعي وهو يزيد عن أبي الخير ، وصحابي عن صحابي وهو عبد الله بن عمرو بن العاص عن أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - ، هذه رواية الليث عن يزيد ومقتضاها أن الحديث من مسند الصديق - رضي الله عنه - ، وأوضح من ذلك رواية أبي الوليد الطيالسي عن الليث فإن لفظه عن أبي بكر قال : " قلت يا رسول الله " أخرجه البزار من طريقه . وخالف عمرو بن الحارث الليث فجعله من مسند عبد الله بن عمرو ولفظه " عن أبي الخير أنه سمع عبد الله بن عمرو يقول : إن أبا بكر قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - هكذا رواه ابن وهب عن عمرو ، ولا يقدح هذا الاختلاف في صحة الحديث . وقد أخرج المصنف طريق عمرو معلقة في الدعوات وموصولة في التوحيد ، وكذلك أخرج مسلم الطريقين طريق الليث وطريق ابن وهب وزاد مع عمرو بن الحارث رجلا مبهما ، وبين ابن خزيمة في روايته أنه ابن لهيعة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ظلمت نفسي ) أي بملابسة ما يستوجب العقوبة أو ينقص الحظ . وفيه أن الإنسان لا يعرى عن تقصير ولو كان صديقا : قوله : ( ولا يغفر الذنوب إلا أنت ) فيه إقرار بالوحدانية واستجلاب للمغفرة ، وهو كقوله تعالى : والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم الآية ، فأثنى على المستغفرين وفي ضمن ثنائه عليهم بالاستغفار [ ص: 373 ] لوح بالأمر به كما قيل : إن كل شيء أثنى الله على فاعله فهو آمر به ، وكل شيء ذم فاعله فهو ناه عنه .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( مغفرة من عندك ) قال الطيبي : دل التنكير على أن المطلوب غفران عظيم لا يدرك كنهه ، ووصفه بكونه من عنده - سبحانه وتعالى - مريدا لذلك العظم لأن الذي يكون من عند الله لا يحيط به وصف .

                                                                                                                                                                                                        وقال ابن دقيق العيد : يحتمل وجهين ، أحدهما الإشارة إلى التوحيد المذكور كأنه قال لا يفعل هذا إلا أنت فافعله لي أنت ، والثاني - وهو أحسن - أنه إشارة إلى طلب مغفرة متفضل بها لا يقتضيها سبب من العبد من عمل حسن ولا غيره . انتهى . وبهذا الثاني جزم ابن الجوزي فقال : المعنى هب لي المغفرة تفضلا وإن لم أكن لها أهلا بعملي .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( إنك أنت الغفور الرحيم ) هما صفتان ذكرتا ختما للكلام على جهة المقابلة لما تقدم ، فالغفور مقابل لقوله اغفر لي ، والرحيم مقابل لقوله ارحمني ، وهي مقابلة مرتبة . وفي هذا الحديث من الفوائد أيضا استحباب طلب التعليم من العالم ، خصوصا في الدعوات المطلوب فيها جوامع الكلم . ولم يصرح في الحديث بتعيين محله . وقد تقدم كلام ابن دقيق العيد في ذلك في أوائل الباب الذي قبله ، قال : ولعله ترجح كونه فيما بعد التشهد لظهور العناية بتعليم دعاء مخصوص في هذا المحل . ونازعه الفاكهاني فقال : الأولى الجمع بينهما في المحلين المذكورين ، أي السجود والتشهد . وقال النووي : استدلال البخاري صحيح ، لأن قوله " في صلاتي " يعم جميعها ، ومن مظانه هذا الموطن . قلت : ويحتمل أن يكون سؤال أبي بكر عن ذلك كان عند قوله لما علمهم التشهد : ثم ليتخير من الدعاء ما شاء " ومن ثم أعقب المصنف الترجمة بذلك .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية