الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته والله عليم حكيم

                                                                                                                                                                                                من رسول ولا نبي : دليل بين على تغاير الرسول والنبي ، وعن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه سئل عن الأنبياء ، فقال : "مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا " ، قيل : فكم الرسل منهم : قال : "ثلاثمائة وثلاثة عشر جما غفيرا " ، والفرق بينهما : أن الرسول من الأنبياء : من [ ص: 204 ] جمع إلى المعجزة الكتاب المنزل عليه ، والنبي غير الرسول : من لم ينزل عليه كتاب ؛ وإنما أمر أن يدعو الناس إلى شريعة من قبله ، والسبب في نزول هذه الآية أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما أعرض عنه قوم وشاقوه ، وخالفه عشيرته ، ولم يشايعوه على ما جاء به تمنى لفرط ضجره من إعراضهم ولحرصه وتهالكه على إسلامهم ألا ينزل عليه ما ينفرهم ، لعله يتخذ ذلك طريقا إلى استمالتهم واستنزالهم عن غيهم وعنادهم ، فاستمر به ما تمناه حتى نزلت عليه سورة : والنجم ، وهو من نادي قومه ، وذلك التمني في نفسه ، فأخذ يقرؤها ، فلما بلغ قوله : ومناة الثالثة الأخرى ، ألقى الشيطان في أمنيته : التي تمناها ، أي : وسوس إليه بما شيعها به ، فسبق لسانه على سبيل السهو والغلط إلى أن قال : تلك الغرانيق العلى ، وإن شفاعتهن لترتجى ، وروي : الغرانقة ، ولم يفطن له [ ص: 205 ] حتى أدركته العصمة فتنبه عليه ، وقيل : نبهه جبريل -عليه السلام- أو تكلم الشيطان بذلك [ ص: 206 ] فأسمعه الناس ، فلما سجد في آخرها سجد معه جميع من في النادي وطابت نفوسهم ، وكان تمكين الشيطان من ذلك محنة من الله وابتلاء ، زاد المنافقون به شكا وظلمة ، والمؤمنون نورا وإيقانا ، والمعنى : أن الرسل والأنبياء من قبلك كانت هجيراهم كذلك إذا تمنوا مثل ما تمنيت ، مكن الله الشيطان ليلقي في أمانيهم ما ألقى في أمنيتك ، إرادة امتحان من حولهم ، والله سبحانه له أن يمتحن عباده بما شاء من صنوف المحن وأنواع الفتن ؛ ليضاعف ثواب الثابتين ويزيد في عقاب المذبذبين ، وقيل : "تمنى " : قرأ ، وأنشد [من الطويل ] :


                                                                                                                                                                                                تمنى كتاب الله أول ليلة تمني داود الربور على رسل



                                                                                                                                                                                                وأمنيته : قراءته ، وقيل : تلك الغرانيق : إشارة إلى الملائكة ، أي : هم الشفعاء لا الأصنام ، فينسخ الله ما يلقي الشيطان أي : يذهب به ويبطله ، ثم يحكم الله آياته أي : يثبتها .

                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية