الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله عز وجل:

ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا ولا تسأموا أن تكتبوه صغيرا أو كبيرا إلى أجله ذلكم أقسط عند الله وأقوم للشهادة وأدنى ألا ترتابوا

قال قتادة، والربيع، وغيرهما: معنى الآية: إذا دعوا أن يشهدوا فيتقيد حق بشهادتهم، وفي هذا المعنى نزلت لأنه كان يطوف الرجل في القوم الكثير يطلب من يشهد له فيتحرجون هم عن الشهادة فلا يقوم معه أحد فنزلت الآية في ذلك.

وقال الحسن بن أبي الحسن: الآية جمعت أمرين - لا تأب إذا دعيت إلى تحصيل الشهادة، ولا إذا دعيت إلى أدائها، وقاله ابن عباس:

وقال مجاهد: معنى الآية - لا تأب إذا دعيت إلى أداء شهادة قد حصلت عندك. [ ص: 120 ] وأسند النقاش إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه فسر الآية بهذا. قال مجاهد: فأما إذا دعيت لتشهد أولا فإن شئت فاذهب، وإن شئت فلا تذهب، وقاله: لاحق بن حميد، وعطاء، وإبراهيم، وابن جبير، والسدي، وابن زيد، وغيرهم.

والآية كما قال الحسن جمعت أمرين على جهة الندب، فالمسلمون مندوبون إلى معونة إخوانهم، فإذا كانت الفسحة لكثرة الشهود والأمن من تعطيل الحق فالمدعو مندوب، وله أن يتخلف لأدنى عذر، وإن تخلف لغير عذر فلا إثم عليه، ولا ثواب له، وإذا كانت الضرورة، وخيف تعطل الحق أدنى خوف قوي الندب، وقرب من الوجوب. وإذا علم أن الحق يذهب ويتلف بتأخر الشاهد عن الشهادة فواجب عليه القيام بها، لا سيما إن كانت محصلة، وكان الدعاء إلى أدائها، فإن هذا الظرف آكد، لأنها قلادة في العنق، وأمانة تقتضي الأداء.

ولا تسأموا معناه تملوا، و صغيرا أو كبيرا حالان من الضمير في: تكتبوه ، وقدم الصغير اهتماما به، وهذا النهي عن السآمة إنما جاء لتردد المداينة عندهم، فخيف عليهم أن يملوا الكتب.

و ( أقسط ) معناه أعدل، وهذا أفعل من الرباعي، وفيه شذوذ، فانظر هل هي من [ ص: 121 ] قسط بضم السين كما تقول: أكرم من كرم. يقال: أقسط بمعنى عدل، وقسط بمعنى جار، ومنه قوله تعالى: وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا ومن قدر قوله: وأقوم للشهادة بمعنى وأشد إقامة فذلك أيضا أفعل من الرباعي، ومن قدرها من قام بمعنى: اعتدل زال عن الشذوذ، "وأدنى" معناه: أقرب و"ترتابوا" معناه: تشكوا، وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي. "يسأموا ، ويكتبوه ويرتابوا" كلها بالياء على الحكاية عن الغائب.

التالي السابق


الخدمات العلمية