الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ولو قال في شيء من هذه الألفاظ من قوله : أعتقتك أو نحوه ; عنيت به الخبر كذبا لا يصدق في القضاء لعدوله عن الظاهر ; لأنه يستعمل في إنشاء العتق في عرف اللغة والشرع كما يستعمل في الإخبار فإن العرب قبل ورود الشرع كانوا يعتقون عبيدهم بهذه الصيغة وفي الحمل على الخبر حمل على الكذب ، وظاهر حال العاقل بخلافه فلا يصدق في القضاء كما لو قال لامرأته : طلقتك ونوى به الإخبار كذبا لا يصدق في القضاء ويصدق به فيما بينه وبين الله عز وجل ; لأنه نوى ما يحتمله كلامه ; لأنه يحتمل الإخبار وإن كان إرادته الخبر خلاف الظاهر ، ولو قال : عنيت به أنه كان خبرا فإن كان موكدا لا يصدق أصلا ; لأنه كذب محض وإن كان إنشاء لا يصدق قضاء ; لأن الظاهر إرادة الإنشاء من هذه الألفاظ فلا يصدق في العدول عن الظاهر ويصدق ديانة ; لأن اللفظ يحتمل الإخبار عن الماضي ، ولو قال : أنت حر من عمل كذا أو أنت حر اليوم من هذا العمل عتق في القضاء ; لأن العتق بالنسبة إلى الأعمال والأزمان لا يتجزأ لاستحالة أن يعتق اليوم ويسترق غدا أو يعتق في عمل ويرق في عمل فكان الإعتاق في عمل دون عمل وفي زمان دون زمان إعتاقا من الأعمال كلها وفي الأزمان بأسرها فإذا نوى بعض الأعمال والأزمان فقد نوى خلاف الظاهر فلا يصدقه القاضي وكذا إذا قال : أنت مولاي وقال : عنيت به الموالاة في الدين لا يصدق في القضاء ; لأنه خلاف الظاهر ; إذ هو يستعمل لولاء العتق ظاهرا [ ص: 47 ] ويصدق ديانة ; لأن اللفظ يحتمل ما نوى ، ولو قال : ما أنت إلا حر عتق ; لأن قوله : ما أنت إلا حر آكد من قوله : أنت حر ; لأنه إثبات بعد النفي كقولنا : لا إله إلا الله ، ولو قال أنت حر لوجه الله تعالى عتق ; لأن اللام في قوله لوجه الله تعالى لام الغرض فقد نجز الحرية وبين أن غرضه من التحرير وجه الله عز وجل ، وكذا لو قال لعبده : أنت حر لوجه الشيطان ; عتق ذكره محمد في الأصل ; لأنه أعتقه بقوله أنت حر وبين غرضه الفاسد من الإعتاق فلا يقدح في العتق ، ولو دعا عبده سالما فقال : يا سالم فأجابه مرزوق فقال : أنت حر ولا نية له عتق الذي أجابه ; لأن قوله أنت حر خطاب والمتكلم أولى بصرف الخطاب إليه من الساكت ، ولو قال : عنيت سالما عتقا في القضاء أما مرزوق فلأن الإشارة مصروفة إليه لما بينا فلا يصدق في أنه ما عناه .

                                                                                                                                وأما سالم فبإقراره وأما فيما بينه وبين الله تعالى فإنما يعتق الذي عناه خاصة ; لأن الله تعالى يطلع على سره ، ولو قال : يا سالم أنت حر فإذا هو عبد آخر له أو لغيره عتق سالم ; لأنه لا مخاطب ههنا إلا سالم فيصرف قوله أنت حر إليه ، والله عز وجل أعلم .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية