الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (2) قوله تعالى: ربما " رب " : فيها قولان، أحدهما: أنها حرف جر، وزعم الكوفيون وأبو الحسن وابن الطراوة أنها اسم. ومعناها التقليل على المشهور. وقيل: تفيد التكثير. وقيل: تفيد التكثير في مواضع الافتخار كقوله:


                                                                                                                                                                                                                                      2922 - فيا رب يوم قد لهوت وليلة بآنسة كأنها خط تمثال

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 138 ] وقد أجيب عن ذلك: بأنها لتقليل النظير. ودلائل هذه الأقوال في النحو. وفيها لغات كثيرة أشهرها: "رب" بالضم والتشديد، أو التخفيف، وبالثانية قرأ نافع وعاصم. و "رب" بالفتح مع التشديد والتخفيف، ورب ورب بالضم والفتح مع السكون فيهما. وتتصل تاء التأنيث بكل ذلك، وبالتاء قرأ طلحة بن مصرف وزيد بن علي: ربتما. وإذا اتصلت بها التاء جاز فيها الإسكان والفتح كثمت ولات، فتكثر الألفاظ، ولها أحكام كثيرة منها: لزوم تصديرها، ومنها تنكير مجرورها، وقوله:


                                                                                                                                                                                                                                      2923 - ربما الجامل المؤبل فيهم     وعناجيج بينهن المهارى

                                                                                                                                                                                                                                      ضرورة في رواية من جر "الجامل". وتجر ضميرا لازم التفسير بنكرة بعده، يستغنى بتثنيتها وجمعها وتأنيثها عن تثنية الضمير وجمعه وتأنيثه كقوله:


                                                                                                                                                                                                                                      2924 - ... ... ... ...     وربه عطبا أنقذت من عطبه

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 139 ] والمطابقة نحو: "ربهما رجلين" نادرة. وقد يعطف على مجرورها ما أضيف إلى ضميره نحو: "رب رجل وأخيه". وهل يلزم وصف مجرورها، ومضي ما يتعلق به؟ خلاف، والصحيح عدم ذلك. فمن مجيئه غير موصوف قول هند:


                                                                                                                                                                                                                                      2925 - يا رب قائلة غدا     يا لهف أم معاويه

                                                                                                                                                                                                                                      ومن مجيء المستقبل قوله:


                                                                                                                                                                                                                                      2926 - فإن أهلك فرب فتى سيبكي     علي مهذب رخص البنان

                                                                                                                                                                                                                                      وقولها: "يا رب قائلة غدا" البيت، وقول سليم:


                                                                                                                                                                                                                                      2927 - ومعتصم بالحي من خشية الردى     سيردى وغاز مشفق سيؤوب

                                                                                                                                                                                                                                      فإن حرف التنفيس و "غدا" خلصاه للاستقبال.

                                                                                                                                                                                                                                      و "ما" في "ربما" تحتمل وجهين، أظهرهما: أنها المهيئة، بمعنى: أن "رب" مختصة بالأسماء، فلما جاءت "ما" هيأت دخولها على الأفعال. وقد تقدم نظير ذلك في "إن" وأخواتها، وتكفها أيضا عن العمل كقوله:


                                                                                                                                                                                                                                      2928 - ربما الجامل المؤبل      ... ... ... ...

                                                                                                                                                                                                                                      في رواية من رفعه، كما جرى ذلك في كاف التشبيه. والثاني: أن [ ص: 140 ] "ما" نكرة موصوفة بالجملة الواقعة بعدها، والعائد على "ما" محذوف، تقديره: رب شيء يوده الذين كفروا.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: يود الذين كفروا من لم يلتزم مضي متعلقها لم يحتج إلى تأويل، ومن التزم ذلك قال: لأن المترقب في أخبار الله تعالى واقع لا محالة، فعبر عنه بالماضي تحقيقا لوقوعه، كقوله: أتى أمر الله ونحوه.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: لو كانوا يجوز في "لو" أن تكون الامتناعية، وحينئذ يكون جوابها محذوفا. تقديره: لو كانوا مسلمين لسروا بذلك، أو لخلصوا مما هم فيه. ومفعول "يود" محذوف على هذا التقدير: أي: ربما يود الذين كفروا النجاة، دل عليه الجملة الامتناعية.

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: أنها مصدرية عند من يرى ذلك كما تقدم تقريره في البقرة. وحينئذ يكون هذا المصدر هو المفعول للودادة، أي: يودون كونهم مسلمين، إن جعلنا "ما" كافة، وإن جعلناها نكرة كانت "لو" وما في حيزها بدلا من "ما".

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية