الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
أو رفع نية نهارا أو أكلا [ ص: 137 ] أو شربا بفم فقط وإن باستياك بجوزاء ، [ ص: 138 ] أو منيا وإن بإدامة فكر : إلا أن يخالف عادته على المختار

التالي السابق


( أو ) تعمد ( رفع ) أي : رفض ( نية ) للصوم ( نهارا ) أو ليلا وطلع الفجر وهو رافع لها لا إن علق الفطر على شيء ولم يحصل ، كأن وجدت طعاما أكلت ولم يجده أو وجده ولم يأكله فلا قضاء عليه ( أو ) تعمد ( أكلا ) أو بلعا لنحو حصاة ووصلت لجوفه ، هذا ظاهر المصنف لجريه سابقا على اختيار اللخمي قول عبد الملك حكم الحصاة والدرهم [ ص: 137 ] حكم الطعام ففي نسيانه القضاء ، وفي عمده الكفارة . وقال ابن عبد السلام الأقرب سقوطها في غير المتحلل .

( أو ) تعمد ( شربا ) لمائع وتنازع أكلا وشربا ( بفم فقط ) أي : لا بغيره من أنف وأذن وعين ومسام شعر ودبر وإحليل وثقبة فلا كفارة بالإيصال منها ; لأن هذا لا تتشوف إليه النفوس الباقية على فطرتها . وإنما شرعت الكفارة لزجر النفس عما تشتاق إليه ولا بد في الواصل من الفم من وصوله للجوف ، فإن رده من الحلق فلا كفارة فيه أفاده عب . البناني الصواب أن الوصول للحلق موجب للكفارة كما تقدم ، ونص ابن الحاجب ويجب بإيلاج الحشفة وبالمني وبما يصل إلى الحلق من الفم خاصة ا هـ .

قلت كلام ابن عرفة شاهد لعبق ونصه وتجب الكفارة في إفساد صوم رمضان انتهاكا له بموجب الغسل وطئا أو إنزالا والإفطار بما يصل إلى الجوف أو المعدة من الفم ا هـ . إن وصل من الفم بأكل أو شرب بل ( وإن ) وصل من الفم للجوف ( باستياك بجوزاء ) أي قشر الجوز إن تعمد الاستياك بها نهارا وابتلع أثرها ولو غلبة أو ليلا وتعمد بلعه نهارا فإن ابتلعه غلبة فيقضي فقط كابتلاعها نسيانا ، ولو استاك بها نهارا عامدا فإن استاك بها نهارا ناسيا فإن ابتلع أثرها عامدا كفر وإلا فلا أفاده عبق . البناني فيه نظر فإن الكفارة لم يذكرها في التوضيح إلا عن ابن لبابة ، وهو قيدها بالاستعمال نهارا وإلا فالقضاء فقط [ ص: 138 ] وكذا نقله ابن غازي والمواق عن ابن الحاج . ا هـ . واستظهر في المجموع ما قاله عبق لحرمة الاستياك بالجوزاء .

( أو ) تعمد ( منيا ) أي : إخراجه بتقبيل أو مباشرة بل ( وإن بإدامة فكر ) أو نظر وعادته الإنزال منهما ولو في بعض الأحوال فإن كان اعتاد عدمه منهما فخالف عادته وأنزل فقولان في لزوم كفارته وعدمه ، واختارهاللخمي وإليه أشار بقوله ( إلا أن يخالف عادته على المختار ) فإن لم يدمهما فلا كفارة اتفاقا ، فقوله ، إلا أن يخالف عادته راجع لإدامة الفكر ، ومثلها إدامة النظر ، وأما الإنزال بالتقبيل والمباشرة ففيه الكفارة وإن خالف عادته على المعتمد وإن لم يستدم .

واعترض على المصنف أن اختيار اللخمي إنما هو في القبلة والمباشرة . وأجيب بأنه يلزم من جريان القيد فيهما جريانه في الفكر والنظر بالأولى ، لكن لما كان القيد فيهما ضعيفا تركه ، وفي الفكر والنظر معتمدا ذكره نعم اعترض بأنه لابن عبد السلام لا اللخمي فالأولى على الأصح أفاده عبق . البناني قوله وإن خالف عادته على المعتمد إلخ انظر من أين له ذلك ، وفي التوضيح وابن عرفة والبيان أن في مقدمات الجماع إذا أنزل منها ثلاثة أقوال : الأول لمالك رضي الله عنه في المدونة وهو القضاء والكفارة مطلقا ، والثاني لأشهب القضاء فقط مطلقا ، الثابت لابن القاسم في المدونة القضاء والكفارة إلا أن ينزل عن نظر أو فكر غير مستدامين ، وعليه جرى المصنف طفي .

ولم يعرج ابن رشد على عادة السلامة ولا عدمها وإنما ذكر ذلك اللخمي فإنه لما حكى الخلاف في القبلة هل فيها الكفارة إن أنزل وهو قول مالك لا كفارة فيها في المدونة . وقال أشهب وسحنون رضي الله عنه إلا أن يتابع . واتفقوا على شرط المتابعة في النظر قال : والأصل لا تجب الكفارة إلا إن قصد الانتهاك فيجب أن ينظر إلى عادته ، فمن كانت عادته أن ينزل عن قبلة أو مباشرة أو اختلفت عادته كفر ، وإن كانت عادته السلامة فلا يكفر ا هـ طفي . [ ص: 139 ] فالمصنف باعتبار المبالغة جار على مذهب ابن القاسم في المدونة ثم أشار لاختيار اللخمي فيجري في الجميع نعم اللخمي في اختياره لم ينظر لمتابعة ولا عدمها ، وإنما نظر للعادة وهذا لا يضر المصنف إذ نسج على منوال اللخمي ، فإذا ذكر اتفاقهم على شرط المتابعة ثم أعقبه بذكر اختياره الراجع لجميع مقدمات الجماع ، وليس اختياره خاصا بالقبلة والمباشرة كما قيل ، بل ذكرهما مثالين كما ترى ا هـ . وبه تعلم أن تخصيص ز الاستثناء بما بعد المبالغة وقوله اللخمي ليس له اختيار إلا في القبلة والمباشرة كله غير ظاهر ، إذ غيرهما أحرى بذلك نعم ما تقدم يقتضي أن اختيار اللخمي من عند نفسه لا من الخلاف . وأجاب طفي بأن تفقهه لما نشأ عن الخلاف الذي ذكره صح التعبير بصيغة الاسم .




الخدمات العلمية