الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            أما قوله تعالى : ( وما للظالمين من أنصار ) ففيه مسألتان :

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الأولى : المعتزلة تمسكوا به في نفي الشفاعة للفساق ، وذلك لأن الشفاعة نوع نصرة ، ونفي الجنس يقتضي نفي النوع .

                                                                                                                                                                                                                                            والجواب من وجوه :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : أن القرآن دل على أن الظالم بالإطلاق هو الكافر ، قال تعالى : ( والكافرون هم الظالمون ) [ البقرة : 254 ] ومما يؤكد هذا أنه تعالى حكى عن الكفار أنهم خصصوا أنفسهم بنفي الشفعاء والأنصار حيث قالوا : ( فما لنا من شافعين ولا صديق حميم ) [ الشعراء : 100 ] .

                                                                                                                                                                                                                                            وثانيها : أن الشفيع لا يمكنه أن يشفع إلا بإذن الله ، قال تعالى : ( من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه ) [ البقرة : 255 ] وإذا كان كذلك لم يكن الشفيع قادرا على النصرة إلا بعد الإذن ، وإذا حصل الإذن لم يكن في شفاعته فائدة في الحقيقة ، وعند ذلك يظهر أن العفو إنما حصل من الله تعالى ، وتلك الشفاعة ما كان لها تأثير في نفس الأمر ، وليس الحكم إلا لله ، فقوله : ( وما للظالمين من أنصار ) يفيد أنه لا حكم إلا لله كما قال : ( ألا له الحكم ) [ الأنعام : 62 ] وقال : ( والأمر يومئذ لله ) [ الانفطار : 19 ] لا يقال : فعلى هذا التقدير لا يبقى لتخصيص الظالمين بهذا الحكم فائدة ، لأنا نقول : بل فيه فائدة لأنه وعد المؤمنين المتقين في الدنيا بالفوز بالثواب والنجاة من العقاب ، فلهم يوم القيامة هذه الحجة ، أما الفساق فليس لهم ذلك ، فصح تخصيصهم بنفي الأنصار على الإطلاق . الثالث : أن هذه الآية عامة وواردة بثبوت الشفاعة خاصة والخاص مقدم على العام ، والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : المعتزلة تمسكوا في أن الفاسق لا يخرج من النار ، قالوا : لو خرج من النار لكان من أخرجه منها ناصرا له ، والآية دالة على أنه لا ناصر له البتة .

                                                                                                                                                                                                                                            والجواب : المعارضة بالآيات الدالة على العفو كما ذكرناه في سورة البقرة .

                                                                                                                                                                                                                                            النوع الثالث : من دعواتهم :

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية