الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        حد القذف وتعزيره حق آدمي ، يورث عنه ، ويسقط بعفوه . ولو قال لغيره : [ ص: 326 ] اقذفني ، فقذفه ، فوجهان . قال الأكثرون : لا يجب ، كما لو قال : اقطع يدي فقطعه ، لا شيء عليه . والثاني : يجب ، لأن القطع مباح في الجملة ، فقد يكون مستحق القطع . وأما القذف ، فلا يباح وإن كان المقذوف زانيا . وفيمن يرث حد القذف ؟ أوجه . أصحها : جميع الورثة ، كالمال والقصاص . والثاني : جميعهم غير الزوجين . والثالث : رجال العصبات فقط ، لأنه لدفع العار كولاية التزويج . والرابع : رجال العصبة سوى البنين كالتزويج . فإن قلنا : يرث الزوجان ، فأنشأ قذف ميت ، ففي إرثهما وجهان ، لانقطاع الوصلة حالة القذف ، وإذا ورثنا الابن ، قدم على سائر العصبات ، ولو لم يكن للمقذوف وارث خاص ، فهل يقيم السلطان الحد ؟ قولان كما في القصاص ، وكما لو قذف ميتا لا وارث له ، أظهرهما : يقيمه .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        لو عفا بعض مستحقي حد القذف الموروث عن حقه وهو من أهل العفو ، فثلاثة أوجه . أصحها : يجوز لمن بقي استيفاء جميع الحد ، لأن الحد يثبت لهم ولكل واحد منهم ، كولاية التزويج وحق الشفعة . والثاني : يسقط جميع الحد كالقصاص ، وهو ضعيف ، إذ لا بدل هنا ، بخلاف القصاص ، والثالث : يسقط نصيب العافي ويستوفى الباقي ، لأنه متوزع ، بخلاف القصاص فعلى هذا ، يسقط السوط الذي يقع فيه شركة .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        قذف رجل مورثه ، ومات المقذوف ، سقط عنه الحد إن كان حائز الإرث ، لأن القذف لا يمنع الإرث ، بخلاف القتل . ولو قذف أباه ، فمات الأب وترك القاذف وابنا آخر . فإن قلنا : إذا عفا بعض المستحقين كان للآخر استيفاء الجميع ، فللابن الآخر استيفاء الحد بتمامه ، وإن قلنا : يسقط الجميع ، فكذا هنا ، وإن قلنا : يسقط نصيب العافي ، فللابن الآخر استيفاء نصف الحد .

                                                                                                                                                                        [ ص: 327 ] فرع

                                                                                                                                                                        لو جن المقذوف بعد ثبوت حقه ، لم يكن لوليه استيفاء الحد ، بل يصبر حتى يفيق ، فيستوفي ، أو يموت فيورث . وكذا لو قذف المجنون أو الصغير ، ووجب التعزير ، لم يكن لوليهما التعزير ، بل يجب الصبر .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        إذا قذف العبد ووجب التعزير ، فالطلب والعفو له لا للسيد ، لأن عرضه له لا للسيد ، حتى لو قذف السيد عبده ، كان له رفعه إلى الحاكم ليعزره ، هذا هو الصحيح . وقيل : ليس له طلب التعزير من سيده ، بل يقال له : لا تعد ، فإن عاد ، عزر كما يعزر لو كلفه مرة بعد مرة من الخدمة ما لا يحتمله حاله .

                                                                                                                                                                        فلو مات العبد وقد استحق تعزيرا على غير سيده ، فأوجه . أصحها : يستوفيه سيده ، لأنها عقوبة وجبت بالقذف ، فلم تسقط بالموت كالحد . قال الأصحاب : وليس ذلك على سبيل الإرث ، ولكنه أخص الناس به ، فما ثبت له في حياته ، يكون لسيده بعد موته بحق الملك كمال المكاتب . والثاني : يستوفيه أقاربه ، لأن العار إنما يعود عليهم . والثالث : يستوفيه السلطان كحر لا وارث له . والرابع : يسقط التعزير ، وبالله التوفيق .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية