الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 144 ] بخلاف بعيد التأويل : كراء ، ولم يقبل ، [ ص: 145 ] أو أفطر لحمى ثم حم أو لحيض ثم حصل ، أو حجامة أو غيبة ، ولزم معها القضاء . إن كانت له ، والقضاء في التطوع بموجبها

التالي السابق


( بخلاف بعيد التأويل ) هذا مخرج من قول بلا تأويل قريب لا يقال : إنه منطوقه فكيف يخرج منه ؟ لأنا نقول : قوله بلا تأويل قريب أعم من هذا لصدقه بانتفاء التأويل أصلا وبالتأويل البعيد ، فكأنه قال شرط الكفارة انتفاء التأويل القريب بخلاف التأويل البعيد ، ولا يشترط فيها انتفاؤه ; لأن فيه انتهاكا للحرمة فهو كالعدم ، فإضافة بعيد التأويل من إضافة ما كان صفة وهو ما لم يسند لموجود غالبا ومثل له بقوله ( ك ) شخص ( راء ) اسم فاعل رأى أي : مبصر بعينه هلال رمضان وشهد به عند حاكم فرد . ( ولم يقبل ) بضم المثناة تحت وفتح الموحدة لمانع فظن إباحة فطره فأفطر فعليه الكفارة لبعد تأويله ، وإن استند فيه لموجود ; لأن جراءته على رفع شهادته للحاكم دليل على تحققه الرؤية وليس بعد العيان بيان ، هذا مذهب ابن القاسم وهو المشهور .

وقال أشهب لا كفارة عليه لقرب تأويله لاستناده لموجود وهو رد الحاكم شهادته . ابن عبد السلام هذا أقرب ممن قدم ليلا ومن تسحر قرب الفجر وقد استند لموجود ، ولذا قيدت بقولي غالبا ا هـ . عبق قلت ظاهري والتحقيق أنه استند لمعدوم وهو أن اليوم ليس من رمضان مع أنه منه برؤية عينه . [ ص: 145 ] أو ) بيت الفطر ( لحمى ) اعتادها في يوم تلك الليلة ( ثم حم ) فيه فعليه الكفارة وأولى إن لم يحم فيه ( أو ) بيتت الفطر ( لحيض ) اعتادته في يومها ( ثم حصل ) الحيض

وأولى إن لم يحصل فعليها الكفارة ، وهذا مذهب المدونة وهو المشهور وقال ابن عبد الحكم لا كفارة فيهما لقرب تأويلهما ابن عرفة وفي ذي التأويل البعيد قولان لابن عبد الحكم ، ولها كمن قال اليوم أحم أو أحيض فأفطر فحم وحاضت ( أو ) أفطر لظنه إباحة الفطر ل ( حجامة ) فعلها بغيره أو فعلت به فعليه الكفارة ، وهذا قول ابن حبيب والمعتمد قول ابن القاسم أنه لا كفارة عليه لقرب تأويله لاستناده لموجود وهو قوله عليه الصلاة والسلام { أفطر الحاجم والمحجوم } ، وإن كان المراد به أنهما خاطرا بالفطر لفعلهما ما يتسبب عنه الفطر غالبا ، أما الحاجم فلمصه الدم الذي شأنه الوصول لحلقه ، وأما المحتجم فلخوف إغمائه . ( أو ) ظن إباحة فطره ل ( غيبة ) بكسر الغين المعجمة أي ذكره غيره بما يكره وهو غائب فأفطر فعليه الكفارة لبعد تأويله . الحط لو جرى فيه خلاف من أفطر لحجامة ما بعد لكن لم أر فيه إلا قول ابن حبيب بوجوبها ( ولزم القضاء ) مع الكفارة ( إن كانت ) الكفارة ( له ) أي : عن المكفر لا إن كانت عن غيره كزوجة أو أمة فالقضاء على غيره ( والقضاء في ) فطر صوم ( التطوع ) واجب ( ب ) فطر في صوم الفرض ( موجبها ) بكسر الجيم أي : سبب في وجوب الكفارة وهو العمد بلا تأويل قريب وجهل ، فكل ما أوجب الكفارة في الفرض أوجب القضاء في النفل وهذه القاعدة غير مطردة لقول ابن القاسم من عبث بنواة في فيه فنزلت في حلقه فعليه القضاء والكفارة في الفرض ولا يقضي النفل .

وأجاب طفي عن هذا بأنه لا يرد على المصنف ; لأنه مبني على قول ابن القاسم بالفرق [ ص: 146 ] بين التحلل وغيره ، وقد علمت أن المصنف درج على مذهب عبد الملك ، واختيار اللخمي أن المتحلل وغيره سواء في إيجاب القضاء في الفرض والنفل والكفارة في الفرض ولأنها خارجة عن الأصول . ولذا لما ذكرها في التوضيح قال : خالف ابن القاسم فيها قاعدته أن كل ما أوجب الكفارة في الفرض يوجب القضاء في النفل وأورد على طردها أيضا الفطر في رمضان لوجه ، كأمر والد أو شيخ فيوجب الكفارة ولا يوجب القضاء في النفل وأجاب أبو علي عن هذا بأن الوجه المذكور في رمضان ليس هو الوجه في النفل ; لأنه مبيح في النفل وليس مبيحا في رمضان ، وغير منعكسة ; لأن من أصبح صائما في الحضر وأفطر بعد شروعه في السفر يقضي النفل ولا يكفر في الفرض ولأن مسائل التأويل القريب كذلك ولأن من أفطر من غير الفم ومن أمذى كذلك . وأجيب بأن الراجح في مسائل التأويل القريب أنه لا قضاء في النفل فيها لانتفاء الحرمة به وقضاؤه إنما هو بالعمد الحرام .




الخدمات العلمية