الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله والمأمور بنكاح امرأة مخالف بامرأتين ) ; لأنه لا وجه إلى تنفيذهما للمخالفة ولا إلى التنفيذ في أحدهما غير عين للجهالة ولا إلى التعيين لعدم الأولوية فتعين التفريق عند عدم الإجازة وهو مراد صاحب الهداية بدليل أنه قال في صدر المسألة لم تلزمه واحدة منهما فكان كلامه مستقيما فاندفع به ما ذكره الشارح من عدم استقامته ، ولذا عبر المصنف بالمخالفة ليفيد عدم النفاذ وأنه عقد فضولي وإن أجاز نكاحهما أو إحداهما نفذ فيه بالأمر بواحدة ; لأنه لو أمره أن يزوجه امرأتين في عقدة فزوجه واحدة جاز إلا إذا قال لا تزوجني إلا امرأتين في عقدة واحدة فحينئذ لا يجوز كذا في غاية البيان ومثله في المحيط لو أمره أن يزوجه امرأتين في عقدة فزوجهما في عقدتين جاز ولو قال لا تزوجني امرأتين إلا في عقدتين فزوجهما في عقدة لا يجوز والفرق أن في الأول أثبت الوكالة حالة الجمع ولم ينف الوكالة حال التفرد نصا بل سكت عنه والتنصيص على الجمع لا يدل على نفي ما عداه وفي العقد الثاني نفى الوكالة حالة التفرد والنفي مفيد ; لأن فائدته في الجمع أكثر لما فيه من تعجيل مقصوده فلا بد من مراعاة النفي فلم يصر وكيلا حالة الانفراد ا هـ .

                                                                                        وهذا بخلاف البيع لو أمره أن يشتري ثوبين في صفقة لا يملك التفريق ; لأن الثياب إذا اشتريت جملة تؤخذ بأرخص مما تشترى على التفاريق فاعتبر قوله فيه ، فأما هاهنا بخلافه كذا في النهاية وفي الخانية لووكله أن يزوجه فلانة أو فلانة فأيتهما زوجه جاز ولا يبطل التوكيل بهذه الجهالة وإن زوجهما جميعا في عقدة واحدة لم يجز واحدة منهما كما لو وكل رجلا أن يزوجه امرأة فزوجه امرأتين في عقدة واحدة لم يجز ا هـ .

                                                                                        وقيد بكون المرأة منكرة أخذا من التنكير ; لأنه لو عينها فزوجها وأخرى معها تلزمه المعينة وقيد في الهداية نكاح المرأتين بأن يكون في عقد واحد ; لأنه لو زوجهما في عقدتين تلزمه الأولى ونكاح الثانية موقوف على الإجازة ; لأنه فضولي فيه ، ولذا قال في المختصر بامرأتين ولم يقل بعقدين وفرعوا على أن التنصيص على الشيء لا ينفي الحكم عما عداه لو قال زوج ابنتي هذه رجلا يرجع إلى علم ودين بمشورة فلان وفلان فزوجها رجلا على هذه الصفة من غير مشورة فإنه يجوز كما في الخانية .

                                                                                        [ ص: 151 ] وأما إذا قال له بع عبدي هذا بشهود أو بمحضر فلان فباعه بغير شهود أو بغير محضر فلان فإنه يجوز بخلاف ما إذا قال لا تبعه إلا بشهود فباعه بغير شهود فإنه لا يجوز كما في الظهيرية ( قوله لا بأمة ) أي لا يكون المأمور بنكاح امرأة مخالفا بنكاح أمة لغيره فينفذ على الموكل عند أبي حنيفة رجوعا إلى إطلاق اللفظ وعدم التهمة وقالا لا يجوز أن يزوجه كفؤا ; لأن المطلق ينصرف إلى المتعارف وهو التزوج بالأكفاء قلنا العرف مشترك أو هو عرف عملي فلا يصح مقيدا وذكر في الوكالة أن اعتبار الكفاءة في هذا استحسان عندهما ; لأن كل واحد لا يعجز عن التزوج بمطلق الزوجة فكانت الاستعانة في التزوج بالكفء كذا في الهداية وظاهره ترجيح قولهما ; لأن الاستحسان مقدم على القياس إلا في مسائل معدودة ليس هذا منها ، ولذا قال الإسبيجابي قولهما أحسن للفتوى واختاره أبو الليث

                                                                                        وفي فتح القدير والحق أن قول أبي حنيفة ليس قياسا ; لأنه أخذ بنفس اللفظ المنصوص فكان النظر في أي الاستحسانين أولى ا هـ .

                                                                                        قيد بكونه أمره بنكاح امرأة ولم يصفها ; لأنه لو وكله بتزويج حرة فزوجه أمة أو عكسه لم يجز ولو زوجه في عكسه مدبرة أو أم ولد أو مكاتبة جاز وأطلق في الآمر فشمل الأمير وغيره ووضعها في الهداية في الأمير ليفيد أن غيره بالأولى وقيد بكون الآمر رجلا ; لأنها لو وكلته في تزويجها ولم تعين فزوجها غير كفء كان مخالفا على قول أبي حنيفة أيضا على الأصح كما في الخانية لاعتبارها من جهة الرجال وإن كان كفؤا إلا أنه أعمى أو مقعد أو صبي أو معتوه فهو جائز ، وكذا لو كان خصيا أو عنينا وإن كان لها التفريق بعد ذلك وأفاد المصنف أن الأمر المطلق يجري على إطلاقه ولا يجوز تقييده إلا بدليل وأن العرف المشترك لا يصح مخصصا فالوكيل بتزويج امرأة ليس مخالفا لو زوجه عمياء أو شوهاء فوهاء لها لعاب سائل وعقل زائل وشق مائل أو شلاء أو رتقاء أو صغيرة لا يجامع مثلها أو كتابية أو امرأة حلف بطلاقها أو زوجه امرأة على أكثر من مهر مثلها ولو بغبن فاحش عند الإمام أو زوجها رجلا بأقل من مهر مثلها كذلك أو امرأة كان الموكل آلى منها أو في عدة الموكل والأصيل أن الوكيل إذا خالف إلى خير أو كان خلافه كلا خلاف نفذ عقده كما لو أمره بعمياء فزوجه بصيرة وليس منه ما إذا أمره بالفاسد فزوجه صحيحا بل لا يجوز لعدم الوكالة بالنكاح أصلا

                                                                                        وأما العدة بعد الدخول فيه وثبوت النسب فليس حكما له بل للوطء إذ لم يتمحض زنا بخلاف أمره بالبيع الفاسد له البيع صحيحا وليس منه أيضا ما إذا وكله بألف فلم ترض المرأة حتى زادها الوكيل ثوبا من مال نفسه فإنه موقوف على إجازة الزوج لكونه ضررا على تقدير استحقاق الثوب أو هلاكه قبل التسليم فإنها ترجع بقيمته على الزوج لا الوكيل كما في الذخيرة وللزوج الخيار وإذا دخل بها قبل العلم وإن اختار التفريق فكالنكاح الفاسد وليس منه أيضا ما إذا أمره ببيضاء فزوجه سوداء أو على القلب أو من قبيلة كذا فزوجه من أخرى فإنه غير نافذ وقيدنا بكون الأمة لغيره ; لأنه لو زوجه أمة نفسه ولو مكاتبته كما في المحيط فإنه لا ينفذ للتهمة كما لو زوجه بنته فإن كانت صغيرة لا يجوز اتفاقا ، وكذا موليته كبنت أخيه الصغيرة

                                                                                        وإن كانت كبيرة فكذلك عنده خلافا لهما ولو زوجه أخته الكبيرة برضاها جاز اتفاقا والوكيل من قبل المرأة إذا زوجها من أبيه أو ابنه لا يجوز في قول أبي حنيفة وفي كل موضع لا ينفذ فعل الوكيل فالعقد موقوف على إجازة الموكل وحكم الرسول كحكم الوكيل في جميع ما ذكرنا وضمانهما المهر صحيح وإنكار المرسل والموكل الرسالة والوكالة بعد الضمان ولا بينة لا يسقط الضمان عنهما فيجب نصف المهر وتوكيل المرأة المتزوجة بالتزويج إذا طلقت وانقضت عدتها صحيح كتوكيله أن يزوجه فلانة وهي متزوجة فطلقت وحلت فزوجها فإنه صحيح وإذا زوج [ ص: 152 ] الوكيل موكله زوجة الغير أو معتدته أو أم امرأته ودخل بها الموكل غير عالم ولزمه المهر فلا ضمان على الوكيل كما في الخانية وفي الذخيرة الوكيل بتزويج امرأة إذا زوجه امرأة على عبد للوكيل أو عرض له فهو نافذ ولزم الوكيل تسليمه وإذا سلم لا يرجع على الزوج بشيء ولو كان مكان النكاح خلعا يرجع على المرأة بما أدى ولو زوجه الوكيل امرأة بألف من ماله بأن قال زوجتك هذه المرأة بألف من مالي أو بألفي هذه جاز والمال على الزوج ولا يطالب الوكيل بالألف المشار إليه لعدم تعينها في المعاوضات وتمامه فيها وفي المحيط ولو زوجه على عبد الزوج جاز استحسانا وعلى الزوج قيمة عبده لا تسليم عينه والله تعالى أعلم .

                                                                                        [ ص: 150 ]

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        [ ص: 150 ] ( قوله وهو مراد صاحب الهداية ) أي التقييد بقوله عند عدم الإجازة ، وهذا الجواب مذكور في الحواشي السعدية ( قوله فحينئذ لا يجوز ) أي لا يجوز أن يزوجه واحدة وقوله ومثله ما في المحيط إلخ فيه أنه لا مماثلة ; لأن صورة المخالفة في مسألة المحيط بتزويج المرأتين في عقدة واحدة ، وقد علمت أن صورة المخالفة في مسألة غاية البيان بتزويج امرأة واحدة فأين المماثلة ثم انظر هل يجوز في صورة المحيط أن يزوجه امرأة واحدة فإن الحصر لم يدخل على المرأتين كما هو في مسألة غاية البيان بل على العقدتين [ ص: 151 ]

                                                                                        ( قوله وقالا لا يجوز إلا أن يزوجه كفؤا إلخ ) قال الكشاف دلت المسألة على أن الكفاءة تعتبر في النساء للرجال أيضا عندهما ، وكذا ذكره في الأصل كذا في العناية ، وذكر قبله تحت قول الهداية ومن أمره أمير إلخ قيده بالأمير وحكم غيره كذلك قال الإمام المحبوبي وعلى هذا الخلاف إذا لم يكن أميرا فزوجه الوكيل أمة أو حرة عمياء أو مقطوعة اليدين أو رتقاء أو مفلوجة أو مجنونة إما اتفاقا وإما لما قيل قيده بذلك ليظهر الكفاءة فإنها من جانب النساء للرجال مستحسنة في الوكالة عندهما ا هـ .

                                                                                        فأفاد أنها معتبرة عندهما لا مطلقا بل هنا فقط وعن هذا قال في الحواشي السعدية قوله دلت المسألة إلخ إن أراد دلت على اعتبارها في الوكالة عندهما فمسلم بالنظر إلى دليلها وإن أراد مطلقا فمنوع ا هـ .

                                                                                        ويؤيده ما قدمناه في أول الفصل عن البدائع ( قوله أو عرف عملي إلخ ) [ ص: 152 ] أي عرف من حيث العمل والاستعمال لا من حيث اللفظ ، وبيانه أن العرف على نوعين لفظي نحو الدابة تقيد لفظا بالفرس ونحو المال بين العرب بالإبل وعملي أي العرف من حيث العمل أي من حيث إن عمل الناس كذا كلبسهم الجديد يوم العيد وأمثاله كذا في العناية وفيه بحث لصاحب السعدية فراجعه




                                                                                        الخدمات العلمية