الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
103 - قوله: (ص): "مثال للمتابع والشاهد" فذكر \حديث سفيان عن عمرو عن عطاء عن ابن عباس - رضي الله عنهما - حديث "لو أخذوا إهابها" .

وذكر أن شاهده عن عبد الرحمن بن وعلة عن ابن عباس - رضي الله عنهما - حديث "أيما إهاب دبغ فقد طهر" .

[ ص: 682 ] وهذا فيه أمران:

أحدهما: أنه ليس مثالا للمتابعة التامة إذ (من شرط التامة عنده أن يتابع نفس الراوي لا شيخه كما قال) أولا أن يروي ذلك الحديث بعينه عن أيوب غير حماد .

قال: فهذه المتابعة التامة، وأن شيخ الراوي إذا توبع أو شيخ شيخه، قد يطلق اسم المتابعة، لكن تقصر عن الأولى بحسب البعد.

وإذا تقرر هذا، فالمثال ليس مطابقا للمتابعة التامة.

لأن سفيان بن عيينة لم يتابعه أحد عن عمرو على ذكر الدباغ وإنما توبع شيخه عمرو عن عطاء .

الثاني: أنه ليس بمطابق - أيضا - لما تقدم من أن المتابعة (لمن) دون الصحابي .

وأن الشاهد أن يروي حديث آخر بمعناه يعني من حديث صحابي آخر وإن إطلاق الشاهد على غير ذلك قليل، لأن كلا من المتابع والشاهد اللذين أوردهما من حديث صحابي واحد وهو ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - .

وفي الحقيقة عبد الرحمن بن وعلة قد تابع عطاء في روايته عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - هذا الحكم.

وإذا تقرر هذا، فلنذكر مثالا للمتابعة والشاهد سالما من هذا الاعتراض وهو ما رواه الشافعي في "الأم" عن مالك عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر [ ص: 683 ] - رضي الله عنهما - قال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : "الشهر تسع وعشرون فلا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروه، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين" .

فإن الحديث المذكور في جميع الموطآت عن مالك بهذا الإسناد بلفظ، "فإن غم عليكم فاقدروا له" .

فأشار البيهقي إلى أن الشافعي تفرد بهذا اللفظ عن مالك فنظرنا فإذا البخاري قد روى الحديث في صحيحه فقال: حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي ، حدثنا مالك ، عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر - رضي الله عنهما - فساقه باللفظ الذي ذكره الشافعي سواء. فهذه متابعة تامة في غاية الصحة. لرواية الشافعي - رضي الله عنه - والعجب من البيهقي كيف خفيت عليه؟

ودل [هذا] على أن مالكا رواه عن عبد الله بن دينار باللفظين معا.

[ ص: 684 ] وقد توبع عليه عبد الله بن دينار من وجهين عن ابن عمر - رضي الله عنهما - :

1- أحدهما: أخرجه مسلم من طريق أبي أسامة ، عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر - فذكر الحديث وفي آخره "فإن غم عليكم فاقدروا ثلاثين" .

2- والثاني: أخرجه ابن خزيمة في صحيحه من طريق عاصم بن محمد بن زيد عن أبيه عن ابن عمر - رضي الله عنهما - بلفظ: "فإن غم عليكم فكملوا ثلاثين" .

فهذه متابعة - أيضا - لكنها ناقصة.

وأما شاهده فله شاهدان:

شاهد لحديث الشافعي :

1- أحدهما: من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - رواه البخاري عن آدم عن شعبة عن محمد بن زياد عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ولفظه: "فإن غمي عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين" .

2- وثانيهما: من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - أخرجه النسائي من رواية عمرو بن دينار عن محمد بن حنين عن ابن عباس

[ ص: 685 ] - رضي الله عنهما - بلفظ حديث ابن دينار عن ابن عمر - رضي الله عنهما - .

فهذا مثال صحيح بطرق صحيحة للمتابعة التامة، والمتابعة الناقصة. والشاهد باللفظ والشاهد بالمعنى - والله الموفق سبحانه - .

التالي السابق


الخدمات العلمية