الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                                        نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

                                                                                                        الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        [ ص: 562 ] فصل ( وإذا طلق الرجل امرأته فلها النفقة والسكنى في عدتها رجعيا كان أو بائنا ) وقال الشافعي رحمه الله : لا نفقة للمبتوتة إلا إذا كانت حاملا ; أما الرجعي فلأن النكاح بعده قائم لا سيما عندنا فإنه يحل له الوطء ، وأما البائن فوجه قوله ما روي عن فاطمة بنت قيس قالت : { طلقني زوجي ثلاثا فلم يفرض لي رسول الله عليه الصلاة والسلام سكنى ولا نفقة }ولأنه لا ملك له ، وهي مرتبة على الملك ولهذا لا تجب للمتوفى عنها زوجها لانعدامه ، بخلاف ما إذا كانت حاملا ; لأنا عرفناه بالنص وهو قوله تعالى: { وإن كن أولات حمل [ ص: 563 ] فأنفقوا عليهن }الآية . ولنا أن النفقة جزاء احتباس على ما ذكرنا ، والاحتباس قائم في حق حكم مقصود بالنكاح وهو الولد ، إذ العدة واجبة لصيانة الولد فتجب النفقة ولهذا كان لها السكنى بالإجماع ، وصار كما إذا كانت حاملا . [ ص: 564 ] { وحديث فاطمة بنت قيس رده عمر رضي الله عنه ، فإنه قال : لا ندع كتاب ربنا وسنة نبينا بقول امرأة لا ندري صدقت أم كذبت حفظت أم نسيت ، سمعت رسول الله عليه الصلاة والسلام يقول : للمطلقة الثلاث النفقة والسكنى ما دامت في العدة }ورده أيضا زيد بن ثابت رضي الله عنه وأسامة بن زيد وجابر وعائشة رضي الله عنهم .

                                                                                                        [ ص: 557 - 562 ]

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        [ ص: 557 - 562 ] الحديث الثالث : روي عن { فاطمة بنت قيس ، قالت : طلقني زوجي ثلاثا ، فلم يفرض لي رسول الله صلى الله عليه وسلم سكنى ولا نفقة }; قلت : أخرجه الجماعة إلا البخاري عن الشعبي عن { فاطمة بنت قيس ; قالت : طلقني زوجي ثلاثا فخاصمته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في السكنى والنفقة ، فلم يجعل لي سكنى ولا نفقة ، وأمرني أن أعتد في بيت ابن أم مكتوم }انتهى .

                                                                                                        أخرجه مختصرا ومطولا : وعند النسائي فيه من حديث سعيد بن يزيد الأحمسي ثنا الشعبي به : { إنما النفقة والسكنى للمرأة إذا كان لزوجها عليها الرجعة } ، ذكره في " باب الرخصة في التطليق ثلاث " ، وعند أحمد ، والطبراني فيه من رواية مجالد عن الشعبي به ، نحو ذلك ، ولفظ الطبراني : { فقال لها : اسمعي يا بنت قيس إنما النفقة للمرأة على زوجها ما كانت عليها رجعة ، فإذا لم يكن عليها رجعة فلا نفقة لها ولا سكنى } ، وفي لفظ آخر : { فإذا لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره ، فلا نفقة لها ولا سكنى }; قال ابن القطان في " كتابه " : وهذه الزيادة التي هي : { إنما السكنى والنفقة لمن كان يملك الرجعة } ، إنما زادها مجالد وحده من دون أصحاب الشعبي ; وقد أورده مسلم [ ص: 563 ] بدونها ، ورواها عن مجالد هشيم ، وابن عيينة ، وعبدة بن سليمان ; فحديث هشيم عند الدارقطني ، وحديث ابن عيينة ، قال قاسم بن أصبغ في " كتابه " : حدثنا محمد بن إسماعيل ثنا الحميد ثنا سفيان ثنا مجالد عن الشعبي به ، وحديث عبدة رواه أحمد حدثنا عبدة بن سليمان ثنا مجالد به ، وقد تأتي هذه الزيادة في بعض طرق الحديث من رواية جماعة من أصحاب الشعبي ، فيهم مجالد ، فيتوهم أن الزيادة من رواية الجميع ، وليس كذلك ، وإنما هي من رواية مجالد وحده ، وهشيم يدلسها فيهم ، وله في مثل ذلك ما ذكره أبو عبد الله الحاكم أن جماعة من أصحابه اجتمعوا يوما على أن لا يأخذوا عنه التدليس ، ففطن لذلك يوما ، فجعل يقول في كل حديث يذكره : حدثنا حصين ، ومغيرة عن إبراهيم ، فلما فرغ قال لهم : هل دلست لكم اليوم ؟ قالوا : لا فقال : لم أسمع من مغيرة حرفا واحدا مما ذكرته ، إنما قلت : حدثني حصين ، ومغيرة غير مسموع ، وقد فصلها الحسن بن عرفة عن رواية الجماعة ، وعزاها إلى مجالد منهم ، كما هو عند الدارقطني ، فلما ثبتت هذه الزيادة عن مجالد وحده تحقق فيها الريب ، ووجب لها الضعف بضعف مجالد المتفرد بها ، ولكن وردت من غير رواية مجالد عن الشعبي ، رواه النسائي من حديث سعيد بن يزيد الأحمسي ثنا الشعبي به . وسعيد بن يزيد الأحمسي لم تثبت عدالته ، وقد ذكره أبو حاتم برواية أبي نعيم عنه ، وروايته عن الشعبي ، وقال : إنه شيخ ، انتهى كلامه . [ ص: 564 ]

                                                                                                        الحديث الرابع : قال المصنف رحمه الله : { وحديث فاطمة رده عمر رضي الله عنه ، فإنه قال ، : لا ندع كتاب ربنا ، ولا سنة نبينا بقول امرأة لا ندري صدقت أم كذبت ، حفظت أم نسيت ، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : للمطلقة الثلاث النفقة والسكنى ، ما دامت في العدة }; ورواه أيضا عائشة ، وجابر ، وزيد بن ثابت ، وأسامة بن زيد رضي الله عنهم . قلت : أما حديث عمر : فأخرجه مسلم عن أبي إسحاق ، قال : حدث الشعبي بحديث فاطمة بنت قيس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { لا سكنى لها ولا نفقة } ، فأخذ الأسود كفا من حصى ، فحصبه به ، فقال : ويحك تحدث بمثل هذا ، قال عمر : لا نترك كتاب ربنا . ولا سنة نبينا بقول امرأة لا ندري حفظت أم نسيت ، لها السكنى والنفقة ، قال الله تعالى : { لا تخرجوهن من بيوتهن }الآية انتهى . وزاد الترمذي فيه : وكان عمر [ ص: 565 ] يجعل لها النفقة والسكنى انتهى .

                                                                                                        وأما حديث عائشة : فأخرجه مسلم عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة { أنها قالت : ما لفاطمة خير أن تذكر هذا يعني قولها . لا سكنى لك ، ولا نفقه }انتهى .

                                                                                                        وفي لفظ للبخاري : { قالت ما لفاطمة ، ألا تتقي الله يعني في قولها : لا سكنى ولا نفقة }وجمع بينهما ابن أبي شيبة في " مصنفه " أعني حديث عمر ، وعائشة فقال : حدثنا حفص بن غياث ، ومحمد بن فضيل عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عمر أنه قال وقد ذكر له حديث فاطمة بنت قيس : لا نجيز قول امرأة في دين الله ، للمطلقة ثلاثا السكنى ، والنفقة ; زاد ابن فضيل : { وقالت عائشة : ما لفاطمة في أن تذكر هذا [ ص: 566 ] خير }انتهى .

                                                                                                        وأما حديث جابر : فأخرجه الدارقطني في " سننه " عن حرب بن أبي العالية عن أبي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { المطلقة ثلاثا لها السكنى والنفقة ، }انتهى .

                                                                                                        . قال عبد الحق في " أحكامه " : إنما يؤخذ من حديث أبي الزبير عن جابر ما ذكر فيه السماع ، أو كان عن الليث عن أبي الزبير ، وحرب بن أبي العالية أيضا لا يحتج به ، ضعفه يحيى بن معين في رواية الدوري عنه ، وضعفه في رواية ابن أبي خيثمة ، والأشبه وقفه على جابر ، انتهى .

                                                                                                        وأما حديث زيد بن ثابت

                                                                                                        ، وأسامة بن زيد : فغريب ; وروى الطبراني في " معجمه " [ ص: 567 ] حدثنا علي بن عبد العزيز ثنا حجاج ثنا أبو عوانة عن سليمان عن إبراهيم أن ابن مسعود ، وعمر قالا : المطلقة ثلاثا لها السكنى والنفقة انتهى .

                                                                                                        وفي حديث فاطمة بنت قيس عند مسلم { فلما مضت عدتها أنكحها رسول الله صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد ، فأرسل إليها مروان قبيصة بن ذؤيب يسألها عن الحديث ، فحدثته به ، فقال مروان : لم يسمع هذا الحديث إلا من امرأة ، سنأخذ بالعصمة التي وجدنا الناس عليها ، فقالت فاطمة حين بلغها قول مروان : فبيني وبينكم القرآن . قال الله تعالى : { لا تخرجوهن من بيوتهن }الآية ، هذا لمن كانت له رجعة ، فأي أمر يحدث بعد الثلاث ، فكيف تقولون : لا نفقة لها ، إذا لم تكن حاملا ، فعلام تحبسونها }؟ انتهى .

                                                                                                        وهذا صريح أن النفقة جزاء الاحتباس ; وأخرجه عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، أن أبا عمرو بن حفص بن المغيرة المخزومي خرج مع علي بن أبي طالب ; وفي لفظ : إلى اليمن ; وفي لفظ : { فخرج إلى غزوة نجران ، فأرسل إلى امرأته فاطمة بنت قيس بتطليقة كانت بقيت من طلاقها ، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته ، فقال لها : لا نفقة لك ، فاستأذنته في الانتقال ، فأذن لها ، فقالت : إلى أين يا رسول الله ؟ قال : إلى ابن [ ص: 568 ] أم مكتوم وكان أعمى تضع ثيابها عنه ولا يراها ، فلما مضت عدتها أنكحها رسول الله أسامة بن زيد } ، الحديث . تفرد بهذا السياق مسلم ، قاله عبد الحق .




                                                                                                        الخدمات العلمية