الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر أخذ الحاج

في هذه السنة سار أبو طاهر القرمطي إلى الهبير في عسكر عظيم ليلقى الحاج سنة إحدى عشرة وثلاثمائة في رجوعهم من مكة ، فأوقع بقافلة تقدمت معظم [ ص: 690 ] الحاج ، وكان فيها خلق كثير من أهل بغداذ وغيرهم ، فنهبهم ، واتصل الخبر بباقي الحاج وهم بفيد فأقاموا بها حتى فني زادهم ، فارتحلوا مسرعين .

وكان أبو الهيجاء بن حمدان قد أشار عليهم بالعود إلى وادي القرى ، وأنهم لا يقيمون بفيد ، فاستطالوا الطريق ، ولم يقبلوا منه ، وكان إلى أبي الهيجاء طريق الكوفة ، وكثير الحاج ، فلما فني زادهم ساروا على طريق الكوفة ، فأوقع بهم القرامطة ، وأخذوهم ، وأسروا أبا الهيجاء ، وأحمد بن كشمرد ، ونحريرا وأحمد بن بدر عم والدة المقتدر ، وأخذ أبو طاهر جمال الحجاج جميعها وما أراد من الأمتعة ، والأموال ، والنساء ، والصبيان ، وعاد إلى هجر وترك الحاج في مواضعهم ، فمات أكثرهم جوعا ، ومن حر الشمس .

وكان عمر أبي طاهر حينئذ سبع عشرة سنة ، وانقلبت بغداذ ، واجتمع حرم المأخوذين إلى حرم المنكوبين الذين نكبهم ابن الفرات ، وجعلن ينادين : القرمطي الصغير ، ( أبو طاهر ) قتل المسلمين في طريق مكة ، والقرمطي الكبير ابن الفرات قد قتل المسلمين ببغداذ .

وكانت صورة فظيعة شنيعة ، وكسر العامة منابر الجوامع ، وسودوا المحاريب يوم الجمعة لست خلون من صفر ، وضعفت نفس ابن الفرات ، وحضر عند المقتدر ليأخذ أمره فيما يفعله ، وحضر نصر الحاجب المشورة فانبسط لسانه على ابن الفرات ، وقال له : الساعة تقول أي شيء نصنع ، وما هو الرأي بعد أن زعزعت أركان الدولة ، وعرضتها للزوال في الباطن بالميل مع كل عدو يظهر ومكاتبته ، ومهادنته ، وفي الظاهر بإبعادك مؤنسا ومن معه إلى الرقة ، وهم سيوف الدولة ، فمن يدفع الآن هذا الرجل إن قصد الحضرة أنت أو ولدك ؟ وقد ظهر الآن أن مقصودك بإبعاد مؤنس وبالقبض [ ص: 691 ] علي وعلى غيري أن تستضعف الدولة وتقوي أعداءها لتشفي ، غيظ قلبك ممن صادرك وأخذ أموالك ، ومن الذي سلم الناس إلى القرمطي غيرك لما يجمع بينكما من التشيع والرفض ؟ وقد أظهر أيضا أن ذلك العجمي كان من أصحاب القرمطي ، وأنت أوصلته .

فحلف ابن الفرات أنه ما كاتب القرمطي ، ولا هاداه ، ولا رأى ذلك الأعجمي إلا تلك الساعة ، والمقتدر معرض عنه ، وأشار نصر على المقتدر أن يحضر مؤنسا ومن معه ، ففعل ذلك ، وكتب إليه بالحضور ، فسار إلى ذلك ونهض ابن الفرات ، فركب في طيارة فرجمه العامة حتى كاد يغرق .

( وتقدم المقتدر ) إلى ياقوت بالمسير إلى الكوفة ، ( ليمنعها من القرامطة فخرج في جمع كثير ، ومعه ولداه المظفر ومحمد ، فخرج على ذلك العسكر مال عظيم ، وورد الخبر بعود القرامطة ، فعطل مسير ياقوت ) .

ووصل مؤنس المظفر إلى بغداذ ، ولما رأى المحسن ابن ( الوزير ابن ) الفرات انحلال أمورهم ، أخذ كل من كان محبوسا ( عنده من المصادرين ) ، فقتلهم لأنه كان قد أخذ منهم أموالا جليلة ( ولم يوصلها إلى المقتدر ) ، فخاف أن يقروا عليه .

التالي السابق


الخدمات العلمية