الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              الفصل الخامس في الكلام المفيد

              في الكلام المفيد .

              اعلم أن الأمور منقسمة إلى ما يدل على غيره وإلى ما لا يدل . فأما ما يدل فينقسم إلى ما يدل بذاته وهو الأدلة العقلية ، وقد ذكرنا مجامع أقسامها في مدارك العقول من مقدمة الكتاب . وإلى ما يدل بالوضع ، وهو ينقسم إلى صوت وغير صوت كالإشارة والرمز . والصوت ينقسم في دلالته إلى مفيد وغير مفيد ، والمفيد كقولك زيد قائم وزيد خرج راكبا ، وغير المفيد كقولك زيد لا وعمرو في ; فإن هذا لا يحصل منه معنى ، وإن كان آحاد كلماته موضوعة للدلالة .

              وقد اختلف في تسمية هذا كلاما ، فمنهم من قال هو كمقلوب رجل وزيد " لجر " و " ديز " ، فإن هذا لا يسمى كلاما ، ومنهم من سماه كلاما لأن آحاده وضعت للإفادة . واعلم أن المفيد من الكلام ثلاثة أقسام : اسم وفعل وحرف كما في علم النحو ، وهذا لا يكون مفيدا حتى يشتمل على اسمين أسند أحدهما إلى الآخر نحو زيد أخوك ، والله ربك ، أو اسم أسند إلى فعل نحو قولك ضرب زيد وقام عمرو . وأما الاسم والحرف كقولك زيد من وعمرو في ، فلا يفيد حتى نقول من مضر وفي الدار وكذلك قولك ضرب قام لا يفيد إذا لم يتخلله اسم ، وكذلك قولك من في قد على . واعلم أن المركب من الاسم والفعل والحرف تركيبا مفيدا ينقسم إلى مستقل بالإفادة من كل وجه ، وإلى ما لا يستقل بالإفادة إلا بقرينة وإلى ما يستقل بالإفادة من وجه دون وجه .

              مثال الأول قوله تعالى : { ولا تقربوا الزنا } و { ولا تقتلوا أنفسكم } وذلك يسمى نصا لظهوره ، والنص في السير هو الظهور فيه ، ومنه منصة العروس للكرسي الذي تظهر عليه . والنص ضربان ضرب هو نص بلفظه ومنظومه كما ذكرناه ، وضرب هو نص بفحواه ومفهومه نحو قوله تعالى : { فلا تقل لهما أف } { ولا تظلمون فتيلا } { فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره } { ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك } فقد اتفق أهل اللغة على أن فهم ما فوق التأفيف من الضرب والشتم وما وراء الفتيل والذرة من المقدار الكثير أسبق إلى الفهم منه من نفس الذرة والفتيل والتأفيف . ومن قال : إن هذا معلوم بالقياس فإن أراد به أن المسكوت عنه عرف بالمنطوق فهو حق ، وإن أراد به أنه يحتاج فيه إلى تأمل أو يتطرق إليه احتمال فهو غلط .

              وأما الذي لا يستقل إلا بقرينة فكقوله تعالى : { أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح } وقوله { ثلاثة قروء } وكل لفظ مشترك ومبهم ، كقوله : رأيت أسدا وحمارا [ ص: 185 ] وثورا إذا أراد شجاعا وبليدا فإنه لا يستقل بالدلالة على مقصوده إلا بقرينة . وأما الذي يستقل من وجه دون وجه فكقوله تعالى : { وآتوا حقه يوم حصاده } وكقوله تعالى : { حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون } فإن الإيتاء ويوم الحصاد معلوم ومقدار ما يؤتى غير معلوم ، والقتال وأهل الكتاب معلوم وقدر الجزية مجهول . فخرج من هذا أن اللفظ المفيد بالإضافة إلى مدلوله إما أن لا يتطرق إليه ، احتمال فيسمى نصا ، أو يتعارض فيه الاحتمالات من غير ترجيح فيسمى مجملا ومبهما ، أو يترجح أحد احتمالاته على الآخر فيسمى بالإضافة إلى الاحتمال الأرجح ظاهرا وبالإضافة إلى الاحتمال البعيد مؤولا .

              فاللفظ المفيد إذا إما نص أو ظاهر أو مجمل .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية