الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ذكر دارا وأولاده] .

فلما ملك "دارا بن بهمن بن إسفنديار بن بشتاسب" وكان ضابطا لملكه ، قاهرا لمن حوله من الملوك ، فابتنى بفارس مدينة سماها "دارابجرد" ، وولد له ولد فأعجب به فسماه "دارا" باسم نفسه ، وصير له الملك من بعده ، فملك اثنتي عشرة سنة .

ثم ملك ابنه "دارا بن دارا بن بهمن" فأساء السيرة في رعيته ، وقتل رؤساءهم ، فغزاه الإسكندر بن فيلبوس اليوناني ، وقد مله أهل مملكته ، فلحق كثير منهم بالإسكندر ، فأطلعوه على عورة دارا ، وقووه عليه ، فالتقيا ببلاد الجزيرة ، فاقتتلا سنة ، ثم إن رجالا من أصحاب دارا وثبوا به فقتلوه وتقربوا برأسه إلى الإسكندر ، فأمر بقتلهم ، وقال: هذا جزاء من اجترأ على ملكه .

وتزوج ابنته "روشنك بنت دارا" وغزا الهند ومشارق الأرض ، ثم انصرف وهو يريد الإسكندرية ، فهلك بناحية السواد ، فحمل إلى الإسكندرية في تابوت من ذهب .

وكان ملكه أربع عشرة سنة ، وقيل: كان ملك دارا أربع عشرة سنة أيضا ، واجتمع ملك الروم وكان قبل الإسكندر متفرقا ، وتفرق ملك فارس وكان قبل الإسكندر مجتمعا . [ ص: 423 ]

[ذكر هلاك دارا بن دارا]

إن دارا بن دارا لما ملك ، وكان فيلبوس أبو الإسكندر اليوناني قد ملك بلادا من بلاد اليونانيين فصالح دارا على خراج يحمل إليه في كل سنة ، ثم ملك ابنه الإسكندر فلم يحمل الخراج ، فغضب دارا ، وكتب إليه يوبخه ، وبعث إليه بصولجان وكرة وقفيز من سمسم ، وقال فيما كتب إليه: أنت صبي ينبغي أن تلعب بالصولجان ، وإنك إن استعصيت بعثت إليك من يأتيني بك في وثاق ، وإن عدة جندي كعدة حب السمسم الذي بعثت به .

فكتب إليه الإسكندر أنه قد فهم كتابه وتيمن بإرساله الصولجان والكرة لإلقاء الملقي الكرة إلى الصولجان ، واحترازه إياها ، ويشبه الأرض بالكرة ، وإنه محيز ملك دارا إلى ملكه ، وبلاده إلى حيزه من الأرض . وإنه تيمن بالسمسم لدسمه وبعده عن المرارة والحرافة .

وبعث إلى دارا بصرة من خردل ، فهي تجمع الكرة والحرافة والمرارة .

فلما وصل إليه الكتاب جمع جنده ، وتأهب لمحاربة الإسكندر ، وتأهب الإسكندر وسار نحو بلاد دارا . فالتقيا فاقتتلا أشد القتال ، وصارت الدبرة على [جند] دارا .

فلما رأى ذلك رجلان من حرس دارا طعناه من خلفه فوقع؛ ليحظيا عند الإسكندر . ونادى الإسكندر: أن لا يقتل دارا . ثم سار حتى وقف عليه ، فرآه يجود بنفسه ، فنزل الإسكندر عن دابته وجلس عند رأسه ، وأخبره أنه ما هم قط بقتله ، وأن الذي أصابه لم يكن عن رأيه ، وقال له: سلني ما بدا لك ، فقال دارا: إلي لك حاجتان:

إحداهما: أن تنتقم لي من الرجلين اللذين فتكا بي ، والأخرى أن تتزوج ابنتي روشنك .

فأجابه وصلب الرجلين ، وتوسط بلاد دارا ، فكان له ملكه .

[ ص: 424 ]

وقال آخرون: كان ملك الروم في أيام دارا الأكبر يؤدي إلى دارا الخراج ، فلما هلك ملك الإسكندر ، وكان ذا حزم ومكر ، فمن مكره أنه خرج في بعض الحروب من صف أصحابه ، وأمر من نادى: يا معشر الفرس ، قد علمتم ما كتبنا لكم من الأمان ، فمن كان منكم على الوفاء فليعتزل العسكر وله منا الوفاء .

فاتهمت الفرس بعضها بعضا ، فكان أول اضطراب حدث فيهم .

وتلقاه بعض ملوك الهند بألف فيل عليها السلاح ، وفي خراطيمها السيوف ، فلم تقف دواب الإسكندر ، فأمر باتخاذ قلة من نحاس مجوفة ، وربط خيله بين تلك التماثيل حتى التقيا ، ثم أمر فملئت نفطا وكبريتا ، وألبسها الدروع وجرت على العجل إلى المعركة ، وبين كل تمثالين منها جماعة من أصحابه .

فلما نشبت الحرب أمر بإشعال النيران في أجواف التماثيل فلما حميت انكشفت أصحابه عنها ، فغشيتها الفيلة فضربتها بخراطيمها ، فتشيطت ، فولت مدبرة راجعة على أصحابها ، فصارت الدبرة على ملك الهند .

وغزا الإسكندر بعض ملوك المغرب فظفر به ، فآنس لذلك من نفسه القوة فنشز على دارا الأصغر ، وامتنع عما كان يحمله إليه ، وكان الخراج الذي يؤديه آل الإسكندر إلى ملوك الفرس بيضا من ذهب ، ألف ألف بيضة ، في كل بيضة مائة مثقال .

فلما امتنع الإسكندر أن يبعث كتب إليه دارا يطالبه ، فكتب إليه: إني قد ذبحت تلك الدجاجة التي كانت تبيض ذلك البيض وأكلت لحمها . فالتقيا للقتال بناحية خراسان مما يلي الحرز .

التالي السابق


الخدمات العلمية