الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون جملة ( ينبت ) حال من ضمير ( أنزل ) ، أي ينبت الله لكم .

وإنما لم يعطف هذا على جملة ( لكم منه شراب ) ; لأنه ليس مما يحصل بنزول الماء وحده بل لا بد معه زرع وغرس .

وهذا الإتيان من دلائل عظيم القدرة الربانية ، فالغرض منه الاستدلال ممزوجا بالتذكير بالنعمة ، كما دل عليه قوله ( لكم ) على وزان ما [ ص: 115 ] تقدم في قوله تعالى والأنعام خلقها لكم فيها دفء الآية ، وقوله تعالى والخيل والبغال والحمير لتركبوها الآية .

وأسند الإنبات إلى الله ; لأنه الملهم لأسبابه والخالق لأصوله تنبيها للناس على دفع غرورهم بقدرة أنفسهم ، ولذلك قال إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون لكثرة ما تحت ذلك من الدقائق .

وذكر الزرع والزيتون وما معهما تقدم غير مرة في سورة الأنعام .

والتفكير تقدم عند قوله تعالى قل هل يستوي الأعمى والبصير أفلا تتفكرون في سورة الأنعام .

وإقحام لفظ قوم للدلالة على أن التفكير من سجاياهم ، كما تقدم عند قوله تعالى لآيات لقوم يعقلون في سورة البقرة .

ومن كل الثمرات عطف على الزرع والزيتون ، أي وينبت لكم به من الثمرات مما لم يذكر هنا .

والتعريف تعريف الجنس ، والمراد : أجناس ثمرات الأرض التي ينبتها الماء ، ولكل قوم من الناس ثمرات أرضهم وجوهم ، و ( من ) تبعيضية قصد منها تنويع الامتنان على كل قوم بما نالهم من نعم الثمرات ، وإنما لم تدخل على الزرع ، وما عطف عليه ; لأنها من الثمرات التي تنبت في كل مكان .

وجملة إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون تذييل .

والآية : الدلالة على أنه تعالى المبدع الحكيم ، وتلك هي إنبات أصناف مختلفة من ماء واحد ، كما قال يسقى بماء واحد في سورة الرعد .

ونيطت دلالة هذه بوصف التفكير ; لأنها دلالة خفية لحصولها بالتدريج ، وهو تعريض بالمشركين الذين لم يهتدوا بما في ذلك من دلالة على تفرد الله بالإلهية بأنهم قوم لا يتفكرون .

[ ص: 116 ] وقرأ الجمهور ( ينبت ) بياء الغيبة ، وقرأه أبو بكر عن عاصم بنون العظمة .

التالي السابق


الخدمات العلمية