الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وإذا قلت أعوذ بالله من الشيطان الرجيم فاعلم أنه عدوك ومترصد لصرف قلبك عن الله عز وجل حسدا لك على مناجاتك مع الله عز وجل وسجودك له مع أنه لعن بسبب سجدة واحدة تركها ولم يوفق لها .

التالي السابق


ثم قال المصنف: (وإذا قلت) ، أي: إذا فرغت من الذي ذكر فاشرع في القراءة على حد ما أمرك الله به عند قراءة القرآن من التعوذ لكونك قارئا، لا لكونك مصليا، فاستحضر في نفسك ما تعطيه لك الآية على قدر فهمك، فإن الجواب يكون مطابقا لما استحضرته من معاني تلك الآية، فإذا فرغت من التوجه، فقل: (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) امتثالا لقول الله تعالى: فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم ، وورد في السنة الصحيحة: "أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، والعارف إذا تعوذ ينظر الحال الذي أوجب له التعوذ، وينظر إلى حقيقة ما يتعوذ به وينظر إلى [ ص: 146 ] ما ينبغي أن يعاذ به فيتعوذ بحسب ذلك، وأدنى الدرجات في الاستعاذة أن يستعيذ مما لا يلائم بما يلائم فعلا كان أو صفة، هذه قضية كلية، والحال يعين القضايا والحكم يكون بحسبها، ولما كان قارئ القرآن جليس الله وزاد كونه في الصلاة كان الأولى هنا أن يستعيذ بالله من الشيطان؛ لأن الصلاة حضرة المناجاة، وسرها في قراءة الكلام الحق المأمور بتلاوته، فلا ينبغي للرجس النجس أن يتقرب إلى هذه الحضرة؛ إذ لا يمسه إلا المطهرون، أي: لا يمس حقائقه إلا المطهرون من أدناس الطبيعة كما أنه لا يمس ظاهره إلا المحترسون من منهيات الشريعة، فإذا قلت هذه الجملة، فالمعنى احترس والتجئ واعتصم بالله، أي: بقوة الله وعظمته واقتداره وبحصنه المنيع الذي لا تخرقه الرماح من شر الشيطان الرجيم المبعد المطرود عن حضرة الله تعالى، ومن مكايده وأمانيه التي يلقيها في خواطر الداخلين إلى حضرة المناجاة؛ وإذا علمت أنه مطرود الحضرة، ومسلط على ابن آدم (فاعلم أنه عدوك) الأكبر وبغيضك الذي ليس لك من مكايده مفر (و) أنه (مرتصد) أي: مرتقب بأنواع حيله وخفي مكره وكيده (لصرف قلبك عن الله عز وجل) بكل حال، وكيفما أمكن كل ذلك (حسدا لك) ، وعليك (على) وقوفك بين يدي الله امتثالا لأمر الله، و (مناجاتك مع الله و) حسدا (على سجودك له) تعالى لما روي أنه تعالى لما أخذ الميثاق من ذرية آدم عليه السلام حيث قال: وإذ أخذ ربك من بني آدم الآية، أمرهم بالسجود تصديقا لما قالوا، فسجد المسلمون كلهم، وبقي الكافرون، فلما رفعوا رءوسهم رأوا الكفار لم يسجدوا فسجدوا ثانيا شكرا لما وفقهم الله تعالى إليه، ولذا صار المفروض سجدتين في الصلاة، كذا في معراج الدراية (مع أنه) ، أي: إبليس الملقب بالشيطان (لعن بسبب سجدة واحدة) لآدم عليه السلام (تركها ولم يوفق لها) .

وفي المبسوط: إنما كان السجود ترغيما للشيطان فإنه أمر بالسجود فلم يفعل، فنحن نسجد مرتين ترغيما له، وإليه أشار النبي -صلى الله عليه وسلم- في سجود السهو ترغيما للشيطان وأخبار الشيطان في آبائه للسجود لآدم وطرده عن حظيرة القدس بعد أن كان معلم الملكوت الأعلى وصيرورته ملعونا إلى يوم الدين مفصلة في الكتاب العزيز، فلا نطيل بذكرها .




الخدمات العلمية