الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال تعالى : ( إذ قال الحواريون يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء قال اتقوا الله إن كنتم مؤمنين ) ( 112 ) .

قوله تعالى : ( إذ قال الحواريون ) : أي : اذكر إذ قال ، ويجوز أن يكون ظرفا لـ " مسلمون " . ( هل يستطيع ربك ) : يقرأ بالياء على أنه فعل وفاعل ، والمعنى هل يقدر ربك ، أو يفعل . وقيل التقدير : هل يطيع ربك ، وهما بمعنى واحد مثل استجاب ، وأجاب ، واستجب ، وأجب . ويقرأ بالتاء ، وربك نصب ، والتقدير : هل تستطيع سؤال ربك ، فحذف المضاف .

فأما قوله : " أن ينزل " ؛ فعلى القراءة الأولى هو مفعول يستطيع ، والتقدير : على أن [ ص: 353 ] ينزل ، أو في أن ينزل . ويجوز أن لا يحتاج إلى حرف جر على أن يكون يستطيع بمعنى يطيق ؛ وعلى القراءة الأخرى يكون مفعولا لـ " سؤال " المحذوف .

قال تعالى : ( قالوا نريد أن نأكل منها وتطمئن قلوبنا ونعلم أن قد صدقتنا ونكون عليها من الشاهدين ) ( 113 ( قال عيسى ابن مريم اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا وآية منك وارزقنا وأنت خير الرازقين ) ( 114 ) .

قوله تعالى : ( أن قد صدقتنا ) : أن مخففة من الثقيلة ، واسمها محذوف ، " وقد " عوض منه .

وقيل : أن مصدرية " وقد " لا تمنع مع ذلك .

( تكون ) : صفة لمائدة . و ( لنا ) : يجوز أن يكون خبر كان ، ويكون " عيدا " حالا من الضمير في الظرف ، أو حالا من الضمير في كان ، على قول من ينصب عنها الحال .

ويجوز أن يكون " عيدا " الخبر ، وفي " لنا " على هذا وجهان : أحدهما : أن يكون حالا من الضمير في تكون .

والثاني : أن تكون حالا من " عيدا " ؛ لأنه صفة له قدمت عليه .

فأما : " لأولنا وآخرنا " فإذا جعلت " لنا " خبرا ، أو حالا من فاعل ، تكون فهو صفة لـ " عيدا " ، وإن جعلت " لنا " صفة لـ " عيدا " كان لأولنا وآخرنا بدلا من الضمير المجرور بإعادة الجار .

ويقرأ " لأولانا وأخرانا " على تأنيث الطائفة أو الفرقة . وأما " من السماء " فيجوز أن يكون صفة لمائدة ، وأن يتعلق بـ " ينزل " .

( وآية ) : عطف على " عيدا " . و ( منك ) : صفة لها .

قال تعالى : ( قال الله إني منزلها عليكم فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين ) ( 115 ) .

قوله تعالى : ( منكم ) : في موضع الحال من ضمير الفاعل في يكفر .

[ ص: 354 ] ( عذابا ) : اسم للمصدر الذي هو التعذيب ، فيقع موقعه ، ويجوز أن يجعل مفعولا به على السعة . وأما قوله : " لا أعذبه " يجوز أن تكون الهاء للعذاب ، وفيه على هذا وجهان : أحدهما : أن يكون حذف حرف الجر ؛ أي : لا أعذب به أحدا .

والثاني : أن يكون مفعولا به على السعة .

ويجوز أن يكون ضمير المصدر المؤكد ؛ كقولك : ظننته زيدا منطلقا ، ولا تكون هذه الهاء عائدة على العذاب الأول .

فإن قلت : لا أعذبه صفة لعذاب ؛ فعلى هذا التقدير : لا يعود من الصفة إلى الموصوف شيء .

قيل : إن الثاني لما كان واقعا موقع المصدر ، والمصدر جنس ، و " عذابا " نكرة ، كان الأول داخلا في الثاني . والثاني مشتمل على الأول ؛ وهو مثل : زيد نعم الرجل .

ويجوز أن تكون الهاء ضمير من وفي الكلام حذف ؛ أي : لا أعذب الكافر ؛ أي : مثل الكافر ؛ أي : مثل عذاب الكافر .

التالي السابق


الخدمات العلمية