الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          1622 - مسألة : والسلم جائز فيما لا يوجد حين عقد السلم ، وفيما يوجد ، وإلى من ليس عنده منه شيء ، وإلى من عنده .

                                                                                                                                                                                          ولا يجوز السلم فيما لا يوجد حين حلول أجله .

                                                                                                                                                                                          برهان ذلك - : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بالسلم كما ذكرنا " وبين في الكيل " وفي الوزن ، وإلى أجل ، فلو كان كون السلم في الشيء لا يجوز إلا في حال وجوده ، أو إلى من عنده ما سلم إليه فيه لما أغفل عليه السلام بيان ذلك حتى يكلنا إلى غيره ، حاشا لله من ذلك { وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى } ، { وما كان ربك نسيا } .

                                                                                                                                                                                          وأما السلم فيما لا يوجد حين حلول أجله فهو تكليف ما لا يطاق ، وهذا باطل ، قال الله تعالى : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } فهو عقد على باطل فهو باطل .

                                                                                                                                                                                          وقولنا في هذا كله هو قول مالك ، والشافعي ، وأحمد ، وأبي ثور وأبي سليمان - ولم يجز السلم في شيء لا يوجد حين السلم فيه : سفيان ، والأوزاعي ، وأبو حنيفة .

                                                                                                                                                                                          وزاد أبو حنيفة فقال : لا يجوز السلم إلا فيما هو موجود من حين السلم إلى حين أجله لا ينقطع في شيء من تلك المدة - وما نعلم هذا القول عن أحد قبله .

                                                                                                                                                                                          وقال الحسن بن حي : لا يجوز السلم في شيء ينقطع ، ولو في شيء من السنة - ولا يعلم أيضا هذا عن أحد قبله .

                                                                                                                                                                                          واحتج المانعون من هذا { بنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع السنبل حتى يشتد وعن بيع الثمر حتى يبدو صلاحه . } [ ص: 53 ] قال أبو محمد : وهذا لا حجة لهم فيه - : أول ذلك أنهم مخالفون له ; لأنهم يجيزون السلم في البر والشعير وهما بعد سنبل لم يشتد وأما بيع الثمر قبل بدو صلاحه ، فلا حجة لهم فيه ; لأن السلم عند الحنفيين وعندنا ليس بيعا - فبطل تعلقهم به جملة .

                                                                                                                                                                                          ولو كان بيعا لما حل ، { لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع ما ليس عندك } لا لمن هو عنده حين السلم - فإن خصوا السلم من ذلك ؟ قلنا : فخصوه من جملة بيع الثمر قبل بدو الصلاح فيه وإلا فقد تحكمتم في الباطل .

                                                                                                                                                                                          وموهوا بما روينا من طريق أبي داود نا محمد بن كثير نا سفيان الثوري عن أبي إسحاق عن رجل نجراني عن ابن عمر قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : { لا تسلفوا في النخل حتى يبدو صلاحه } .

                                                                                                                                                                                          وحدثنا حمام نا عباس بن أصبغ نا محمد بن عبد الملك بن أيمن نا أحمد بن محمد البرتي القاضي نا أبو حذيفة نا سفيان الثوري عن أبي إسحاق عن النجراني عن ابن عمر { عن النبي صلى الله عليه وسلم : أنه نهى أن يسلف في ثمرة نخل حتى يبدو صلاحه } النجراني عجب ما كان ليعدوهم حديث النجراني ، ثم ليس فيه إلا ثمر النخل خاصة .

                                                                                                                                                                                          فإن قالوا : قسنا على ثمرة النخل ؟ قلنا : وهلا قستم على السائمة غير السائمة ، ثم ليس فيه ما قالوه من تمادي وجوده إلى حين أجله .

                                                                                                                                                                                          وأما السلم إلى من ليس عنده منه شيء - : فروينا من طريق ابن أبي شيبة نا ابن أبي زائدة عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن نافع قال : كان ابن عمر إذا سئل عن الرجل يبتاع شيئا إلى أجل وليس عنده أصله لا يرى به بأسا ، وكرهه ابن المسيب ، وعكرمة ، وطاوس ، وابن سيرين - فبطل كل ما تعلقوا به من الآثار .

                                                                                                                                                                                          وذكروا في ذلك عمن دون رسول الله صلى الله عليه وسلم ما روينا من طريق البخاري : نا أبو الوليد هو الطيالسي - نا شعبة عن عمرو هو ابن مرة - عن أبي البختري قال : سألت ابن عمر عن السلم في النخل ؟ فقال : " نهى عن بيع النخل حتى يصلح وسألت ابن عباس عن السلم في النخل ؟ فقال { نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع النخل حتى يؤكل منه }

                                                                                                                                                                                          [ ص: 54 ] ومن البخاري : نا محمد بن بشار نا غندر نا شعبة عن عمرو بن مرة عن أبي البختري سألت ابن عمر عن السلم في النخل ؟ فقال : نهى عمر عن بيع التمر حتى يصلح .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق مالك عن نافع عن ابن عمر : لا بأس أن يسلم الرجل في الطعام الموصوف إلى أجل مسمى ما لم يكن ذلك في زرع لم يبد صلاحه أو ثمر لم يبد صلاحه .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق أبي ثور نا معلى نا أبو الأحوص نا طارق عن سعيد بن المسيب قال : قال عمر : لا تسلموا في فراخ حتى تبلغ - وذكروا كراهية ذلك عن الأسود ، وإبراهيم .

                                                                                                                                                                                          قال علي : لا حجة في أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف والظاهر من قول عمر ، وابنه ، وابن عباس : أنهم إنما نهوا عن ذلك من أسلم في زرع بعينه أو في ثمر نخل بعينه - ونص هذه الأخبار عن ابن عباس ، وابن عمر : أنهما رأيا السلم بيعا ، والحنفيون لا يرونه بيعا - ومن الباطل أن يكون قولهما حجة في شيء غير حجة في شيء آخر - وبالله تعالى التوفيق .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية