الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [ما يراعى في الصدقة]

                                                                                                                                                                                        ويراعى في ذلك ثلاث أحوال : حال المعطي ، وقدر العطية ، وفي من توضع ، فأفضل ذلك حال الصحة ، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد سئل : أي الصدقة [ ص: 3485 ] أفضل؟ فقال : "أن تتصدق وأنت صحيح شحيح تأمل الغنى وتخشى الفقر ولا تمهل ، حتى إذا بلغت الحلقوم قلت : لفلان كذا ولفلان كذا . ألا وقد كان لفلان" .

                                                                                                                                                                                        وأما القدر فأفضله ما خلف غنى ، لقول الله تعالى : ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو [البقرة : 219] ، قال محمد بن جرير الطبري : العفو الفاضل .

                                                                                                                                                                                        فأرشدنا الله -عز وجل- عندما سئل نبيه - صلى الله عليه وسلم - عن القدر الذي يتصدق به أن يكون الفاضل عما يحتاجون إليه ، وقال تعالى : والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما [الفرقان : 67] ، وقال تعالى : ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد . . . ، وفي البخاري ومسلم قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "لا صدقة إلا عن ظهر غنى وابدأ بمن تعول" .

                                                                                                                                                                                        وقال كعب بن مالك : إن من توبتي أن أنخلع من مالي . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :

                                                                                                                                                                                        [ ص: 3486 ] "أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك"
                                                                                                                                                                                        .

                                                                                                                                                                                        وقال سحنون في العتبية : إن تصدق بجل ماله ولم يبق ما يكفيه ردت صدقته .

                                                                                                                                                                                        وقال مالك في كتاب محمد : يجوز أن يتصدق بجميع ماله ، وقد فعله أبو بكر الصديق .

                                                                                                                                                                                        والأول أحسن ، للقرآن وللأحاديث المروية في ذلك ، وأما صدقة أبي بكر - رضي الله عنه - فقد كانت لاستئلاف الناس واستنقاذهم من الكفر ، وذلك حينئذ واجب ، ويستحب أن يتصدق من أنفس ماله ، لقول الله - عز وجل- : لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون [آل عمران : 92] ، وقياسا على العتق ، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - حين سئل : أي الرقاب أفضل؟ فقال : "أغلاها ثمنا وأنفسها عند أهلها" . [ ص: 3487 ]

                                                                                                                                                                                        ويستحب أن يجعل ذلك في أقاربه ثم جيرانه وفي من يستصلح به نفسه ، ويرفع به الشحناء ، فأما الأقارب فلحديث أبي طلحة ، وقد تقدم ، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم – لميمونة وقد أعتقت خادما لها : " لو أعطيتها أخوالك لكان أعظم لأجرك" .

                                                                                                                                                                                        فقدم العطية للأقارب على العتق ، وقال : "من سره أن يبسط في رزقه وينسأ في أجله فليصل رحمه" .

                                                                                                                                                                                        وقال مالك في كتاب محمد في من أحب أن يعتق عبدا أو يتصدق به على ابني عمه وهما يتيمان فقال : يتصدق به عليهما .

                                                                                                                                                                                        وأما الجار فلقوله - صلى الله عليه وسلم - لعائشة - رضي الله عنها - وقالت : يا رسول الله إن لي جارين ، [ ص: 3488 ] فإلى أيهما أهدي؟ قال : "لأقربهما منك بابا" .

                                                                                                                                                                                        وقال : " لا تحقرن جارة لجارتها ولو فرسن شاة" . وجميع هذه الأحاديث أخرجها البخاري . [ ص: 3489 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية