الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                صفحة جزء
                                الحديث الثاني:

                                1142 1200 - ثنا إبراهيم بن موسى، ثنا عيسى - هو: ابن يونس- ثنا إسماعيل - هو: ابن أبي خالد - عن الحارث بن شبيل، عن أبي عمرو الشيباني، قال: قال لي زيد بن أرقم: إن كنا لنتكلم في الصلاة على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فيكلم أحدنا صاحبه بحاجته، حتى نزلت: حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى فأمرنا بالسكوت.

                                التالي السابق


                                وخرجه مسلم ، وزاد فيه: " ونهينا عن الكلام"، وليس عنده: ذكر عهد النبي - صلى الله عليه وسلم.

                                وخرجه النسائي ، وعنده: " فأمرنا حينئذ بالسكوت".

                                وخرجه الترمذي ، ولفظه: كنا نتكلم خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم- في الصلاة، فيكلم الرجل منا صاحبه إلى جنبه، حتى نزلت وقوموا لله قانتين قال: فأمرنا بالسكوت، ونهينا عن الكلام.

                                وهذه الرواية صريحة برفع آخره.

                                [ ص: 364 ] واختلف الناس في تحريم الكلام في الصلاة : هل كان بمكة ، أو بالمدينة ؟ فقالت طائفة: كان بمكة .

                                واستدلوا بحديث ابن مسعود المتقدم، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم- امتنع من الكلام عند قدومهم عليه من الحبشة ، وإنما قدم ابن مسعود عليه من الحبشة إلى مكة ، ثم هاجر إلى المدينة ، كذا ذكره ابن إسحاق وغيره.

                                ويعضد هذا: أنه روي أن امتناعهم من الكلام كان بنزول قوله: وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون وهذه الآية مكية.

                                فروى أبو بكر بن عياش ، عن عاصم ، عن المسيب بن رافع ، قال: قال ابن مسعود : كنا يسلم بعضنا على بعض في الصلاة، فجاء القرآن وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا

                                وأخرجه ابن جرير وغيره.

                                وهذا الإسناد منقطع; فإن المسيب لم يلق ابن مسعود .

                                وروى الهجري ، عن أبي عياض ، عن أبي هريرة ، قال: كانوا يتكلمون في الصلاة، فلما نزلت هذه الآية وإذا قرئ القرآن والآية الأخرى، قال: فأمرنا بالإنصات .

                                وخرجه بقي بن مخلد في " مسنده".

                                وخرجه غيره، وعنده: " أو الآية الأخرى" بالشك.

                                والهجري ليس بالقوي.

                                ولكن يشكل على أهل هذه المقالة حديث زيد بن أرقم ، الذي خرجه البخاري هاهنا; فإن زيدا الأنصاري ، لم يصل خلف النبي - صلى الله عليه وسلم- بمكة ، إنما صلى [ ص: 365 ] خلفه بالمدينة ، وقد أخبر أنهم كانوا يتكلمون حتى نزلت: وقوموا لله قانتين

                                وهي مدنية بالاتفاق.

                                وأجاب أبو حاتم ابن حبان - وهو ممن يقول: إن تحريم الكلام كان بمكة -: وأجيب عن هذا بجوابين:

                                أحدهما: أن زيد بن أرقم حكى حال الأنصار وصلاتهم بالمدينة قبل هجرة النبي - صلى الله عليه وسلم- إليهم، وأنهم كانوا يتكلمون حينئذ في الصلاة; فإن الكلام حينئذ كان مباحا، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم- إذ ذاك بمكة ، فحكى زيد صلاتهم تلك الأيام، لا أن نسخ الكلام كان بالمدينة .

                                قلت: هذا ضعيف; لوجهين:

                                أحدهما: أن في رواية الترمذي : " كنا نتكلم خلف النبي - صلى الله عليه وسلم- في الصلاة"، فدل على أنه حكى حالهم في صلاتهم خلف النبي - صلى الله عليه وسلم- بعد هجرته إلى المدينة .

                                والثاني: أنه ذكر أنهم لم ينهوا عن الكلام حتى نزلت الآية، وهي إنما نزلت بعد الهجرة بالاتفاق، فعلم أن كلامهم استمر في الصلاة بالمدينة ، حتى نزلت هذه الآية.

                                ثم قال ابن حبان :

                                والجواب الثاني: أن زيدا حكى حال الصحابة مطلقا، من المهاجرين وغيرهم، ممن كان يصلي مع النبي - صلى الله عليه وسلم- قبل تحريم الكلام في الصلاة، ولم يرد الأنصار، ولا أهل المدينة بخصوصهم، كما يقول القائل: فعلنا كذا، وإنما فعله بعضهم.

                                [ ص: 366 ] قلت: وهذا يرده قوله: " حتى نزلت الآية"; فإنه يصرح بأن كلامهم استمر إلى حين نزولها، وهي إنما نزلت بالمدينة .

                                وأجاب غير ابن حبان بجوابين آخرين:

                                أحدهما: أنه يحتمل أنه كان نهى عن الكلام متقدما، ثم أذن فيه، ثم نهى عنه لما نزلت الآية.

                                والثاني: أنه يحتمل أن يكون زيد بن أرقم ومن كان يتكلم في الصلاة لم يبلغهم نهي النبي - صلى الله عليه وسلم- فلما نزلت الآية انتهوا.

                                وكلا الجوابين فيه بعد، وإنما انتهوا عند نزول الآية، بأمر النبي - صلى الله عليه وسلم- بالسكوت، ونهيه عن الكلام، كما تقدم.

                                وقال طائفة أخرى: إنما حرم الكلام في الصلاة بالمدينة ; لظاهر حديث زيد بن أرقم ، ومنعوا أن يكون ابن مسعود رجع من الحبشة إلى مكة ، وقالوا: إنما رجع من الحبشة إلى المدينة ، قبيل بدر.

                                واستدلوا بما خرجه أبو داود الطيالسي في " مسنده" من حديث عبد الله بن عتبة ، عن ابن مسعود ، قال: بعثنا النبي - صلى الله عليه وسلم- إلى النجاشي ، ونحن ثمانون رجلا، ومعنا جعفر بن أبي طالب ، فذكر الحديث في دخولهم على النجاشي ، وفي آخره: فجاء ابن مسعود ، فبادر، فشهد بدرا.

                                وروى آدم بن أبي إياس في " تفسيره": حدثنا أبو معشر ، عن محمد بن كعب ، قال: قدم النبي - صلى الله عليه وسلم- المدينة ، والناس يتكلمون بحوائجهم في الصلاة، كما يتكلم أهل الكتاب فأنزل الله وقوموا لله قانتين فسكت القوم عن الكلام .

                                وهذا مرسل، وأبو معشر، هو: نجيح السندي ، يتكلمون فيه.

                                [ ص: 367 ] وقد اتفق العلماء على أن الصلاة تبطل بكلام الآدميين فيها عمدا لغير مصلحة الصلاة، واختلفوا في كلام الناسي والجاهل والعامد لمصلحة الصلاة.

                                فأما كلام الجاهل، فيأتي ذكره قريبا.

                                وأما كلام الناسي والعامد لمصلحة، فيأتي ذكره في " أبواب سجود السهو" قريبا، إن شاء الله تعالى.



                                الخدمات العلمية