الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        كلا إذا بلغت التراقي وقيل من راق وظن أنه الفراق والتفت الساق بالساق إلى ربك يومئذ المساق فلا صدق ولا صلى ولكن كذب وتولى ثم ذهب إلى أهله [ ص: 1914 ] يتمطى أولى لك فأولى ثم أولى لك فأولى أيحسب الإنسان أن يترك سدى ألم يك نطفة من مني يمنى ثم كان علقة فخلق فسوى فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى

                                                                                                                                                                                                                                        يعظ تعالى عباده بذكر المحتضر حال السياق ، وأنه إذا بلغت روحه التراقي، وهي العظام المكتنفة لثغرة النحر، فحينئذ يشتد الكرب، ويطلب كل وسيلة وسبب، يظن أن يحصل به الشفاء والراحة، ولهذا قال: وقيل من راق أي: من يرقيه من الرقية لأنهم انقطعت آمالهم من الأسباب العادية، فتعلقوا بالأسباب الإلهية . ولكن القضاء والقدر، إذا حتم وجاء فلا مرد له، وظن أنه الفراق للدنيا. والتفت الساق بالساق أي: اجتمعت الشدائد والتفت، وعظم الأمر وصعب الكرب، وأريد أن تخرج الروح من البدن الذي ألفته ولم تزل معه، فتساق إلى الله تعالى، ليجازيها بأعمالها، ويقررها بفعالها.

                                                                                                                                                                                                                                        فهذا الزجر، الذي ذكره الله يسوق القلوب إلى ما فيه نجاتها، ويزجرها عما فيه هلاكها. ولكن المعاند الذي لا تنفع فيه الآيات، لا يزال مستمرا على غيه وكفره وعناده.

                                                                                                                                                                                                                                        فلا صدق أي: لا آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره ولا صلى ولكن كذب بالحق في مقابلة التصديق، وتولى عن الأمر والنهي، هذا وهو مطمئن قلبه، غير خائف من ربه، بل يذهب إلى أهله يتمطى أي: ليس على باله شيء، توعده بقوله: أولى لك فأولى ثم أولى لك فأولى وهذه كلمات وعيد، كررها لتكرير وعيده، ثم ذكر الإنسان بخلقه الأول، فقال: أيحسب الإنسان أن يترك سدى أي: مهملا ، لا يؤمر ولا ينهى، ولا يثاب ولا يعاقب؟ هذا حسبان باطل [ ص: 1915 ] وظن بالله بغير ما يليق بحكمته.

                                                                                                                                                                                                                                        ألم يك نطفة من مني يمنى ثم كان بعد المني علقة أي: دما، فخلق الله منها الحيوان وسواه أي: أتقنه وأحكمه، فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى أليس ذلك الذي خلق الإنسان وطوره إلى هذه الأطوار المختلفة بقادر على أن يحيي الموتى بلى إنه على كل شيء قدير.

                                                                                                                                                                                                                                        تم تفسير سورة القيامة، والحمد لله رب العالمين. وصلى الله على محمد وسلم

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية