الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( أما من استغنى ) ظاهره من كان ذا ثروة وغنى . وقال الكلبي : عن الله . وقيل : عن الإيمان بالله . قيل : وكونه بمعنى الثروة لا يليق بمنصب النبوة ، ويدل على ذلك أنه لو كان من الثروة لكان المقابل : وأما من جاءك فقيرا حقيرا . وقرأ الحسن ، وأبو رجاء ، و قتادة ، والأعرج ، وعيسى ، والأعمش وجمهور السبعة : ( تصدى ) بخف الصاد ، وأصله يتصدى فحذف ، والحرميان : بشدها ، أدغم التاء في الصاد ، وأبو جعفر : تصدى ، بضم التاء وتخفيف الصاد ، أي يصدك حرصك على إسلامه . يقال : تصدى الرجل وصديته ، وهذا المستغني هو الوليد ، أو أمية ، أو عتبة وشيبة ، أو أمية وجميع المذكورين في سبب النزول ، أقوال . قال القرطبي : وهذا كله غلط من المفسرين ، لأن أمية والوليد كانا بمكة ، وابن أم مكتوم كان بالمدينة ما حضر معهما ، وماتا كافرين ، أحدهما قبل الهجرة والآخر في بدر ، ولم يقصد قط أمية المدينة ، ولا حضر معه مفردا ولا مع أحد . انتهى . والغلط من القرطبي ، كيف ينفي حضور ابن أم مكتوم معهما ؟ وهو وهم منه ، وكلهم من قريش ، وكان ابن أم مكتوم بها : والسورة كلها مكية بالإجماع ، وكيف يقول : وابن أم مكتوم بالمدينة ؟ كان أولا بمكة ، ثم هاجر إلى المدينة ، وكانوا جميعهم بمكة حين نزول هذه الآية ، وابن أم مكتوم هو عبد الله بن سرح بن مالك بن ربيعة الفهري ، من بني عامر بن لؤي ، وأم مكتوم أم أبيه عاتكة ، وهو ابن خال خديجة رضي الله عنها .

[ ص: 428 ] ( وما عليك ألا يزكى ) تحقير لأمر الكافر وحض على الإعراض عنه وترك الاهتمام به ، أي : وأي شيء عليك في كونه لا يفلح ولا يتطهر من دنس الكفر ؟ ( وأما من جاءك يسعى ) أي يمشي بسرعة في أمر دينه ( وهو يخشى ) أي يخاف الله ، أو يخاف الكفار وأذاهم ، أو يخاف العثار والسقوط لكونه أعمى ، وقد جاء بلا قائد يقوده ( تلهى ) تشتغل ، يقال : لها عن الشيء يلهى ، إذا اشتغل عنه . قيل : وليس من اللهو الذي هو من ذوات الواو . انتهى . ويمكن أن يكون منه ، لأن ما يبنى على فعل من ذوات الواو وتنقلب واوه ياء لكسرة ما قبلها ، نحو : شقي يشقى ، فإن كان مصدره جاء بالياء ، فيكون من مادة غير مادة اللهو . وقرأ الجمهور : ( تلهى ) والبزي عن ابن كثير : ( عنهوتلهى ) بإدغام تاء المضارعة في تاء تفعل ، وأبو جعفر : بضمها مبنيا للمفعول ، أي يشغلك دعاء الكافر للإسلام ، وطلحة : بتاءين ، وعنه بتاء واحدة وسكون اللام .

( كلا إنها ) أي سورة القرآن والآيات ( تذكرة ) عظة ينتفع بها ( فمن شاء ذكره ) أي فمن شاء أن يذكر هذه الموعظة ذكره ، أتى بالضمير مذكرا ؛ لأن التذكرة هي الذكر ، وهي جملة معترضة تتضمن الوعد والوعيد ( فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا ) واعترضت بين ( تذكرة ) وبين صفته ، أي تذكرة : كائنة ( في صحف ) قيل : اللوح المحفوظ ، وقيل : صحف الأولياء المنزلة ، وقيل : صحف المسلمين ، فيكون إخبارا بمغيب ، إذ لم يكتب القرآن في صحف زمان كونه عليه السلام ، بمكة ينزل عليه القرآن ، ( مكرمة ) عند الله ، و ( مرفوعة ) في السماء السابعة ، قاله يحيى بن سلام ، أو مرفوعة عن الشبه والتناقض ، أو مرفوعة المقدار ( مطهرة ) أي منزهة عن كل دنس ، قاله الحسن . وقال أيضا : مطهرة من أن تنزل على المشركين . وقال الزمخشري : منزهة عن أيدي الشياطين ، لا تمسها إلا أيدي ملائكة مطهرة ( سفرة ) كتبة ينسخون الكتب من اللوح المحفوظ . انتهى . ( بأيدي سفرة ) قال ابن عباس : هم الملائكة لأنهم كتبة . وقال أيضا : لأنهم يسفرون بين الله تعالى وأنبيائه . وقال قتادة : هم القراء ، وواحد السفرة سافر . وقال وهب : هم الصحابة ، لأن بعضهم يسفر إلى بعض في الخير والتعليم والعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية