الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
2531 - ( 29 ) - قوله : روي عن بعض التصانيف أن الحلف بأي اسم كان من الأسماء التسعة والتسعين ، التي ورد بها الخبر صريح . أصل الحديث بهذه العدة متفق عليه من حديث أبي هريرة بلفظ : { إن لله تسعة وتسعين اسما ، من أحصاها دخل الجنة }وفي رواية من حفظها ، وفي رواية : { لا يحفظها أحد }. وله طرق ، ورواه ابن خزيمة وابن حبان والترمذي والحاكم ، من حديث [ ص: 319 ] الوليد ، عن شعيب ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة ، وسرد الأسماء ، قال الترمذي : لا نعلم في كثير شيء من الروايات ذكر الأسماء إلا في هذا الحديث ، وذكر آدم بن أبي إياس هذا الحديث بإسناد آخر عن أبي هريرة ، وذكر فيه الأسماء ، وليس له إسناد صحيح .

قلت : ورواه ابن ماجه من طريق زهير بن محمد ، عن موسى بن عقبة ، عن الأعرج ، وساق الأسماء ، وخالف سياق الترمذي في الترتيب ، والزيادة والنقص ، فأما الزيادة فهي : " البار ، الراشد ، البرهان ، الشديد ، الواقي ، القائم ، الحافظ ، الفاطر ، السامع ، المعطي ، الأبد ، المنير ، التام " . والطريق التي أشار إليها الترمذي رواها الحاكم في المستدرك من طريق عبد العزيز بن الحصين ، عن أيوب ، وعن هشام بن حسان جميعا ، عن محمد بن سيرين ، عن أبي هريرة ، وفيها أيضا زيادة ونقصان . وقال : المحفوظ عن أيوب وهشام بدون ذكر الأسامي ، قال الحاكم : وعبد العزيز ثقة .

قلت : بل متفق على ضعفه ، وهاه البخاري ومسلم وابن معين ، وقال البيهقي : ضعيف عند أهل النقل ، قال البيهقي : ويحتمل أن يكون التفسير وقع من بعض الرواة . ولهذا الاحتمال ترك الشيخان إخراج حديث الوليد في الصحيح . وقال القاضي أبو بكر بن العربي : لا نعلم هل تفسير هذه الأسامي في الحديث أو من قول الراوي قلت : والدليل على ذلك اختلافها ، وإن كان حديث الوليد أرجحها من حيث الإسناد ، وقال أبو محمد بن حزم : جاء في إحصائها أحاديث مضطربة ، لا يصح منها شيء أصلا .

وقال ابن عطية : حديث الترمذي ليس بالمتواتر وفي بعض الأسماء التي فيه شذوذ ، وقد ورد في { دعاء النبي صلى الله عليه وسلم : يا حنان يا منان }. وليس في حديث الترمذي واحد منها ، انتهى . وقال الغزالي ، لم أعرف أحدا من العلماء اعتنى بطلب الأسماء وجمعها من الكتاب سوى رجل من حفاظ أهل المغرب يقال له : علي بن حزم ، فإنه قال : صح عندي قريب من ثمانين اسما ، اشتمل عليها الكتاب ; قال : فليتطلب الباقي من الصحاح من الأخبار قال الغزالي : وأظنه لم [ ص: 320 ] يبلغه الحديث الذي في عدد الأسماء ، أو بلغه واستضعف إسناده ، انتهى . وقد قدمنا قوله الدال على أنه لم يصح عنده . وقال القرطبي في شرح الأسماء الحسنى له : العجب من ابن حزم ذكر من الأسماء الحسنى نيفا وثمانين فقط ، والله يقول : { ما فرطنا في الكتاب من شيء }ثم ساق ما ذكره ابن حزم : " وهو الله ، الرحمن ، الرحيم ، العليم ، الحكيم ، الكريم ، العظيم ، الحليم ، القيوم ، الأكرم ، السلام ، التواب ، الرب ، الوهاب ، الإله ، القريب ، المجيب ، السميع ، الواسع ، العزيز ، الشاكر ، القاهر ، الآخر ، الظاهر ، الكبير ، الخبير ، القدير ، البصير ، الغفور ، الشكور ، الغفار ، القهار ، الجبار ، المتكبر ، المصور ، البر ، المقتدر ، البارئ ، العلي ، الولي ، القوي ، المحيي ، الغني ، المجيد ، الحميد ، الودود ، الصمد ، الأحد ، الواحد ، الأول ، الأعلى ، المتعال ، الخالق ، الخلاق ، الرزاق ، الحق ، اللطيف ، الرءوف ، العفو ، الفتاح ، المبين ، المتين ، المؤمن ، المهيمن ، الباطن ، القدوس ، الملك ، المليك ، الأكبر ، الأعز ، السيد ، السبوح ، الوتر ، المحسن ، الجميل ، الرفيق ، المعز ، القابض ، الباسط ، الباقي ، المعطي ، المقدم ، المؤخر ، الدهر " . فهذه أحد وثمانون اسما . قال القرطبي : وفاته " الصادق ، المستعان ، المحيط ، الحافظ ، الفعال ، الكافي ، النور ، الفاطر ، البديع ، الفالق ، الرافع ، المخرج " .

قلت : وقد عاودت تتبعها من الكتاب العزيز إلى أن حررتها منه تسعة وتسعين اسما . ولا أعلم من سبقني إلى تحرير ذلك فإن الذي ذكره ابن حزم لم يقتصر فيه على ما في القرآن بل ذكر ما اتفق له العثور عليه منه ، وهو سبعة وستون اسما متوالية ، كما نقلته عنه آخرها الملك ، وما بعد ذلك النقطة من الأحاديث . فمما لم يذكره وهو في القرآن : " المولى ، النصير ، الشهيد ، الشديد ، الحفي ، الكفيل ، الوكيل ، الحسيب ، الجامع ، الرقيب ، النور ، البديع ، الوارث ، السريع ، المقيت ، الحفيظ ، المحيط ، القادر ، الغافر ، الغالب ، الفاطر ، العالم ، القائم ، المالك ، الحافظ ، المنتقم المستعان ، الحكم ، الرفيع ، الهادي ، الكافي ، ذو الجلال والإكرام " . فهذه اثنان وثلاثون اسما جميعها واضحة في القرآن إلا " الحفي " فإنه في سورة مريم ، فهذه تسعة وتسعون اسما منتزعة من القرآن ، منطبقة على قوله عليه الصلاة والسلام: { إن لله تسعة وتسعين اسما ، موافقة لقوله تعالى: { ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها } }. فلله الحمد على جزيل عطائه ، وجليل نعمائه .

وقد رتبتها على هذا الوجه ليدعى بها : [ ص: 321 ] الإله الرب الواحد ، الله الرب الرحمن الرحيم ، الملك ، القدوس ، السلام ، المؤمن ، المهيمن ، العزيز الجبار ، المتكبر الخالق ، البارئ المصور ، الأول الآخر ، الظاهر ، الباطن ، الحي القيوم ، العلي العظيم التواب ، الحليم الواسع الحكيم ، الشاكر العليم الغني ، الكريم العفو القدير ، اللطيف الخبير السميع ، البصير المولى النصير ، القريب المجيب الرقيب ، الحسيب القوي الشهيد ، الحميد المجيد المحيط ، الحفيظ الحق المبين ، الغفار القهار الخلاق ، الفتاح الودود الغفور ، الرءوف الشكور الكبير ، المتعال المقيت المستعان ، الوهاب الحفي الوارث ، الولي القائم القادر ، الغالب القاهر البر ، الحافظ ، الأحد الصمد ، المليك المقتدر الوكيل ، الهادي الكفيل الكافي ، الأكرم الأعلى الرزاق ، ذو القوة المتين ، غافر الذنب ، قابل التوب شديد العقاب ، ذو الطول رفيع الدرجات ، سريع الحساب ، فاطر السموات والأرض ، بديع السموات والأرض ، نور السموات والأرض ، مالك الملك ذو الجلال والإكرام " . ( تنبيه ) في قوله : " من أحصاها " أربعة أقوال : أحدها : من حفظها . فسره به البخاري في صحيحه وتقدمت الرواية الصريحة به ، وأنها عند مسلم .

ثانيها : من عرف معانيها وآمن بها . ثالثها : من أطاقها بحسن الرعاية لها ، وتخلق بما يمكنه من العمل بمعانيها . رابعها : أن يقرأ القرآن حتى يختمه فإنه يستوفي هذه الأسماء في أضعاف التلاوة ، وذهب إلى هذا أبو عبد الله الزبيري وقال النووي : الأول هو المعتمد قلت : ويحتمل أن يراد من تتبعها من القرآن ، ولعله مراد الزبيري . ( تنبيه آخر ) ظاهر كلام ابن كج حصر أسماء الله في العدد المذكور ، وبه جزم ابن حزم ونوزع ، ويدل على صحة ما خالفه ، حديث ابن مسعود في الدعاء الذي فيه : { أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك ، أو أنزلته في كتابك ، أو علمته أحدا من خلقك ، أو استأثرت به في علم الغيب عندك }. الحديث ، وقد صححه ابن حبان وغيره . ويدل على عدم الحصر أيضا اختلاف الأحاديث الواردة في سردها وثبوت أسماء غير ما ذكرته في الأحاديث الصحيحة .

التالي السابق


الخدمات العلمية