الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                صفحة جزء
                                الثاني:

                                1156 1214 - حدثنا محمد، ثنا غندر، ثنا شعبة، قال: سمعت قتادة، عن أنس، عن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: " إذا كان أحدكم في الصلاة، فإنه يناجي ربه، فلا يبزقن بين يديه، ولا عن يمينه، ولكن عن شماله، تحت قدمه اليسرى".

                                التالي السابق


                                وقد خرجه - فيما تقدم- عن آدم ، عن شعبة .

                                ومقصوده الاستدلال بإباحة النبي - صلى الله عليه وسلم- البزاق والتنخم في الصلاة، على أن النفخ ونحوه كالنحنحة لا يبطل الصلاة; لأن للتنخم صوتا كالتنحنح، وربما كان معه نوع من النفخ عند القذف بالنخامة.

                                وقد سبق أن ابن عبد البر ذكر مثل ذلك.

                                وقد اختلف العلماء في النفخ في الصلاة: هل هو كلام يبطلها إذا تعمده، أم لا؟

                                فقال طائفة: هو كلام.

                                قال ابن المنذر : كرهه ابن مسعود وابن عباس .

                                وروي عن ابن عباس وأبي هريرة ، أنه بمنزلة الكلام، ولا يثبت عنهما.

                                [ ص: 406 ] كذا قال، وليس كما قال؛ فقد روى الأعمش والحسن بن عبيد الله أبو عروة النخعي - وهو ثقة خرج له مسلم - كلاهما، عن أبي الضحى ، عن ابن عباس ، قال: النفخ في الصلاة كلام.

                                وقد خرجه وكيع في " كتابه"، والإمام أحمد في رواية ابنه عبد الله ، عنه في " مسائله".

                                وفي رواية له: النفخ في الصلاة يقطع الصلاة.

                                وخرجه الجوزجاني ، وعنده: النفخ في الصلاة أخشى أن يكون كلاما.

                                وأما المروي عن أبي هريرة ، فمن طريق قيس ، عن أبي حصين ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، قال: النفخ في الصلاة كلام.

                                خرجه عبد الله ابن الإمام أحمد عن أبيه في " مسائله".

                                وقيس، هو ابن الربيع .

                                وروي عن النخعي ، أنه قال: هو كلام.

                                وروي عنه أيضا قال: إنما كانوا يكرهونه في الصلاة مخافة أن يؤذي الرجل جليسه.

                                وعن سعيد بن جبير ، قال: هو بمنزلة الكلام.

                                وممن رأى أنه بمنزلة الكلام في إبطال الصلاة: أبو حنيفة ومحمد بن [ ص: 407 ] الحسن والثوري والشافعي وأصحابه وأحمد - في رواية- وابن القاسم المالكي ، وعن أبي يوسف روايتان:

                                إحداهما: إن أراد به التأفيف فهو كلام.

                                والثانية: ليس بكلام بكل حال، وهي التي رجع إليها.

                                وكرهه ابن سيرين ويحيى بن أبي كثير ، من غير إفساد الصلاة به.

                                وهو قول مالك وأحمد - في رواية- وإسحاق وسليمان بن داود الهاشمي وأبي خيثمة .

                                وقال أحمد - مرة-: أخشى أن يكون قد فسدت صلاته؛ يروى عن ابن عباس : من نفخ في صلاته فقد تكلم.

                                فحكى أكثر أصحابنا المتقدمين عن أحمد في ذلك روايتين.

                                وأما القاضي أبو يعلى وأصحابه، فنزلوهما على حالين، قالوا: إن بان منه حرفان فهو كلام مبطل الصلاة، وإلا فلا.

                                ولا يعرف هذا التفصيل عن أحمد ، ولا عن غيره ممن تقدم، سوى الشافعي وأصحابه، وهو قول أبي ثور .

                                واستدلوا بأن الكلام عند العرب ما دل على معنى، وأقله حرفان.

                                ولكن الكلام المقصود يدل على معناه الموضوع له بالوضع، ودلالة النفخ والتأوه ونحو ذلك إنما هو بالطبع لا بالوضع، فليس في شيء من ذلك حروف موضوعة للدلالة على معنى خاص.

                                [ ص: 408 ] وقال الحسن : إذا رأيت ما يريبك - يعني في الصلاة - فانفخ.

                                وهذا يدل على إباحته للحاجة إليه.

                                وروي - أيضا- مثله عن بعض الصحابة.

                                وفي الباب: حديث مرفوع، عن أم سلمة ، اختلف في إسناده ولفظه:

                                فروى عنبسة بن الأزهر ، عن سلمة بن كهيل ، عن كريب ، عن أم سلمة ، قالت: مر النبي - صلى الله عليه وسلم- بغلام لهم وهو يصلي، فنفخ في سجوده، فقال: " لا تنفخ; إن من نفخ فقد تكلم " خرجه النسائي ، وهو مما تفرد به عنبسة هذا.

                                وقد قال فيه ابن معين وأبو داود وأبو حاتم : لا بأس به.

                                لكن قال أبو حاتم : يكتب حديثه ولا يحتج به.

                                وذكره ابن حبان في " ثقاته"، وقال: كان يخطئ.

                                وخرج الترمذي من حديث ميمون أبي حمزة ، عن أبي صالح ، عن أم سلمة ، قالت: رأى النبي - صلى الله عليه وسلم- غلاما لنا، يقال له: أفلح ، إذا سجد نفخ، فقال له: " أفلح ، ترب وجهك ".

                                وقال: إسناده ليس بذاك، وميمون أبو حمزة ضعفه بعض أهل العلم.

                                وخرجه الإمام أحمد أيضا.

                                وميمون الأعور أبو حمزة ، قال أحمد : متروك.

                                [ ص: 409 ] ولكنه توبع عليه:

                                فخرجه الإمام أحمد من طريق سعيد أبي عثمان الوراق ، عن أبي صالح ، قال: دخلت على أم سلمة ، فذكر الحديث مرفوعا، وفيه: " ترب وجهك لله".

                                وخرجه ابن حبان في " صحيحه" من طريق عدي بن عبد الرحمن ، عن داود بن أبي هند ، عن أبي صالح مولى آل طلحة بن عبيد الله ، قال: كنت عند أم سلمة ، فذكر الحديث.

                                كذا في هذه الرواية: " أبو صالح مولى آل طلحة "، وجاء في رواية، أنه: " مولى أم سلمة ".

                                قال أبو زرعة الدمشقي في " تاريخه": أبو صالح مولى أم سلمة ، يحدث عنها في كراهة نفخ التراب في السجود، اسمه: زاذان . انتهى.

                                وهو مع هذا غير مشهور.

                                والحديث بهذا اللفظ يدل على أن النفخ ليس بكلام، وإنما يكره نفخ التراب عن موضع السجود; لأنه يمنع تتريب الجبهة في السجود، والأفضل للساجد أن يترب وجهه لله، ولهذا كان سجوده على التراب أفضل من سجوده على حائل بينه وبين التراب.

                                وفي كراهة النفخ في الصلاة أحاديث أخر مرفوعة، لا تصح.

                                وقد سبق في " باب: من لم يمسح جبهته وأنفه حتى صلى" في ذلك حديث مرفوع، من رواية بريدة ، وبيان علته.



                                الخدمات العلمية