الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله : ولو عتقت أمة أو مكاتبة خيرت ولو زوجها حرا ) { لقوله عليه السلام لبريرة حين أعتقت ملكت المزوج فاختاري } فالتعليل بملك البضع صدر مطلقا فينتظم الفصلين والشافعي يخالفنا فيما إذا كان زوجها حرا وهو محجوج به ولأنه يزداد الملك عليها عند العتق فيملك الزوج بعده ثلاث تطليقات فتملك رفع أصل العقد دفعا للزيادة ، والعلة المذكورة أعني ازدياد الملك عليها قد وجدت في المكاتبة لأن عدتها قرآن وطلاقها ثنتان ، وقد اختلفت الرواية في صحيح البخاري ومسلم في زوج بريرة فروي أنه كان حرا وروي أنه كان عبدا ورجح أئمتنا الأولى لما في الأصول من أنها مثبتة ورواية أنه كان عبدا نافية للعلم بأنه كان حالته الأصلية الرق ، والنافي هو الذي أبقاها ، ونفي الأمر المعارض ، والمثبت هو المخرج عنها

                                                                                        وقد رجح المحقق في فتح القدير قول زفر من أن المكاتبة إذا أعتقت فإنه لا خيار لها بأنه قوله : عليه السلام قد ملكت بضعك ليس معناه إلا منافع بضعك إذ لا يمكن ملكها لعينه وملكها لإكسابها تبع لملكها لمنافع نفسها فلزم كونها مالكة مقابل بالمعنى المراد قبل العتق فلم يتناولها النص ا هـ .

                                                                                        وهو مبني على أن العلة ملكها مقابل بالعتق وأكثرهم على أن العلة ازدياد الملك عليها ، وهو وجود في المكاتبة وعلى أن العلة ملك البضع فلا شك أنها لم تكن مالكة لمنافع بضعها قبل العتق من كل وجه بدليل أنها لا تملك أن تزوج نفسها بغير إذن المولى ، وقد ملكت ذلك بعد العتق فصح أن يقال إنها ملكت بضعها بالعتق فدخلت تحت النص وإنما لم يجز وطؤها للمولى وجبرها على النكاح لا لأجل أنها ملكت بضعها بل لعقد الكتابة لأنه أوجب عدم التعرض لها في أكسابها وهو منها فترجح به قول أئمتنا خصوصا قد حدث مالك في الموطإ أن بريرة كانت مكاتبة عائشة رضي الله عنها وأنها خيرت حين أعتقت فكان نصا في المسألة فكان زفر محجوجا به وشمل إطلاق الأمة القنة ، والمدبرة وأم الولد وشمل الكبيرة ، والصغيرة

                                                                                        فإذا أعتقت الصغيرة توقف خيارها إلى بلوغها لأن فسخ النكاح من التصرفات المترددة بين النفع ، والضرر فلا تملكه الصغيرة ولا يملكه وليها عليها لقيامه مقامها كذا في جامع الفصولين فإذا بلغت كان لها خيار العتق لا خيار البلوغ على الأصح كذا في الذخيرة وقدمناه وشمل ما إذا كان النكاح أولا صدر [ ص: 216 ] برضاها أو جبرا وشمل ما إذا كانت حرة في الأصل ثم صارت أمة ثم عتقت لما في المبسوط لو كانت حرة في أصل العقد ثم صارت أمة ثم أعتقت بأن ارتدت امرأة مع زوجها ولحقا بدار الحرب معا ، والعياذ بالله تعالى ثم سبيا معا فأعتقت الأمة كان لها الخيار عند أبي يوسف لأنها بالعتق ملكت أمر نفسها وازداد ملك الزوج عليها ولا خيار لها عند محمد لأن بأصل العقد يثبت عليها ملك كامل برضاها ثم انتقض الملك فإذا أعتقت عاد إلى أصله كما كان ا هـ .

                                                                                        ولا يخفى ترجيح قول أبي يوسف لدخولها تحت النص ، وفي فتاوى قاضي خان أن خيار البلوغ يفارق خيار العتق من وجوه أحدها أن خيار العتق يبطل بالقيام من المجلس

                                                                                        والثاني أن الجهل بخيار العتق عذر ، والثالث أنه يثبت للأمة دون الغلام ، والرابع أنه لا يبطل بالسكوت ، وإن كانت بكرا ، والخامس : أن الفرقة لا تتوقف فيه على القضاء بخلاف خيار البلوغ في الكل ، وفيها أيضا أن خيار العتق بمنزلة خيار المخيرة وإنما يفارقه من وجه واحد وهو أن الفرقة في خيار العتق لا تكون طلاقا ، وفي خيار المخيرة يكون طلاقا ا هـ .

                                                                                        ويزاد على هذا ما في جامع الفصولين أن الجهل بأن لها الخيار في خيار المخيرة ليس بعذر بخلافه في الإعتاق وفرقوا بينهما بأن الأمة لا تتفرغ للعلم بخلاف المخيرة ومقتضاه أن المخيرة لو كانت أمة فإنها تعذر بالجهل ا هـ .

                                                                                        وفيه أيضا أن الأمة إذا أعتقت في عدة الرجعي لها الخيار ثم اعلم أن الظاهر الإطلاق من أن الجهل في المخيرة ليس بعذر لأنهم عللوا كونه عذرا في خيار العتق بعلتين إحداهما أن الأمة مشغولة بخدمة المولى فلا تتفرغ لمعرفة أن لها الخيار بخلاف الجهل بخيار البلوغ فإن الحرة الصغيرة لم تكن مشغولة بخدمة أحد ثانيهما : أن سبب الخيار في العتق لا يعلمه إلا الخواص من الناس لخفائه بخلاف خيار البلوغ لأنه ظاهر يعرفه كل أحد ولظهوره ظن بعض الناس أنه يثبت في نكاح الأب أيضا هكذا في شرح التلخيص فالعلة الأولى ، وإن كانت لا تفيد أن الجهل في خيار المخيرة الأمة ليس بعذر فالعلة الثانية تفيده لأن ثبوت الخيار مع التخيير ظاهر يعرفه كل أحد

                                                                                        وفي جامع الفصولين اختارت نفسها بلا علم الزوج يصح وقيل لا يصح بغيبة الزوج ا هـ .

                                                                                        وفي غاية البيان إن اختارت نفسها فلا مهر لها إن لم يكن دخل بها الزوج لأن اختيارها نفسها فسخ من الأصل ، وإن كان دخل بها فالمهر واجب لسيدها لأن الدخول بحكم نكاح صحيح فتقرر به المسمى ، وإن اختارت زوجها فالمهر لسيدها دخل الزوج بها أو لم يدخل لأن المهر واجب بمقابلة ما ملك الزوج من البضع ، وقد ملكه عن المولى فيكون بدله للمولى ا هـ .

                                                                                        فالحاصل أن المهر للمولى في سائر الوجوه إلا إذا اختارت نفسها قبل الدخول ، وفي المحيط زوج عبده جاريته ثم أعتقها فلم تعلم أن لها الخيار حتى ارتدا ولحقا بدار الحرب ورجعا مسلمين ثم علمت بثبوت الخيار أو علمت بالخيار في دار الحرب فلها الخيار في مجلس العلم وبمثله لو سبيا ليس لها الخيار لأن بالسبي يبطل العتق فانعدم سبب الخيار فلم يثبت الخيار ا هـ .

                                                                                        وفي التلخيص ولا يبطل بارتدادها إلا إذا قضى باللحاق للموت ا هـ .

                                                                                        وأطلق المصنف في تخييرها فشمل ما إذا كانت حائضا وكذا قال في المحيط لا بأس بأن تختار نفسها حائضا كانت أو طاهرة وكذا الصبية إذا أدركت بالحيض لأنه ليس بطلاق ولأن فيه ضرورة لأن التأخير لا يمكن ا هـ . .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله : فينتظم الفصلين ) أي ما إذا كان زوجها حرا أو لا ( قوله : للعلم بأنه كان . . . إلخ ) اللام للتعليل لا متعلقة بنافية ( قوله : وشمل ما إذا كان النكاح أولا صدر برضاها أو جبرا ) قال الزيلعي : ولو أعتقت أمة أو مكاتبة خيرت ولو زوجها [ ص: 216 ] حرا ولا فرق في هذا بين أن يكون النكاح برضاها أو بغير رضاها ا هـ .

                                                                                        ومثله في الدرر قال في الشرنبلالية ونفي رضا المكاتبة لتزويجها منفي لأنه صرح في باب المكاتب بأنها بعقد الكتابة خرجت من يد المولى فصار كالأجنبي وصارت أحق بنفسها ويغرم المولى العقر إن وطئها . ا هـ .

                                                                                        وقوله : وصارت أحق بنفسها ليس على إطلاقه لبقاء ملك المولى في رقبتها فلا ينفذ تزويجها بدون إذن مولاها كما لا ينفذ تزويجه إياها بدون رضاها لموجب الكتابة ، وعبارة كافي النسفي المكاتبة إذا تزوجت بإذن مولاها ثم عتقت خيرت . ا هـ . فليتنبه لذلك . ا هـ .

                                                                                        قلت ويؤيده قول المؤلف في الرد على الكمال وإنما لم يجز وطؤها للمولى وجبرها على النكاح لا لأجل أنها ملكت بضعها بعقد الكتابة وكذا ما صرح به عند قوله وله إجبارهما على النكاح حيث قال وخرج المكاتب ، والمكاتبة ، والصغيرة فليس له إجبارهما عليه لأنهما التحقا بالأحرار تصرفا فيشترط رضاهما ا هـ .

                                                                                        وفي المعراج ولا يجوز تزويج المكاتب ، والمكاتبة جبرا بالإجماع ( قوله : ثم اعلم أن الظاهر الإطلاق من أن الجهل ) كذا في هذه النسخة فقوله : من أن الجهل متعلق بالإطلاق الذي هو خبر أن ، وفي غيرها أن ظاهر [ ص: 217 ] الإطلاق بالإضافة ، وفي تصحيحها تكلف تأمل .




                                                                                        الخدمات العلمية