الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
رهن الرجلين الشيء الواحد .

( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى وإذا رهن الرجلان العبد رجلا ، وقبضه المرتهن منهما فالرهن جائز فإن رهناه معا ثم أقبضه أحدهما العبد ، ولم يقبضه الآخر فالنصف المقبوض مرهون والنصف غير المقبوض غير مرهون حتى يقبض فإذا قبض كان مرهونا ، وإذا أبرأ المرتهن أخذ الراهنين من حقه أو اقتضاه منه فالنصف الذي يملكه البريء من الحق خارج من الرهن ، والنصف الباقي مرهون حتى يبرأ راهنه من الحق الذي فيه ، وهكذا كل ما رهناه معا عبدا كان أو عبيدا أو متاعا أو غيره . وإذا رهناه عبدين رهنا واحدا فهو كالعبد الواحد فإن تراضى الراهنان بأن يصير أحد العبدين رهنا لأحدهما والآخر للآخر فقضاه أحدهما وسأل أن يفك له العبد الذي صار إليه لم يكن ذلك له ونصف كل واحد من العبدين خارج من الرهن ، والنصف الآخر في الرهن ; لأنهما دفعا الرهن صفقة فكل واحد من الرهنين مرهون النصف عن كل واحد منهما فليس لهما أن يقتسماه عليه ، ولا يخرجان حقه من نصف واحد منهما إلى غيره وحظ القاضي منهما الرهن خارج من الرهن .

فلو كان كل واحد منهما رهنه أحد العبدين على الانفراد ثم تقارا في العبدين فصار الذي رهنه عبد الله ملكا لزيد والذي رهنه زيد ملكا لعبد الله فقضاه عبد الله وسأله فك عبده الذي رهنه زيد ; لأنه صار له لم يكن ذلك له وعبد عبد الله الذي رهنه فصار لزيد خارج من الرهن وعبد زيد الذي صار له مرهون بحاله حتى يفتكه زيد ; لأن زيدا رهنه ، وهو يملكه فلا يخرج من رهن زيد حتى يفتكه زيد أو يبرأ زيد من الحق الذي فيه ، ولو كان عبدان بين رجلين فرهناهما رجلا فقالا مبارك رهن عن محمد ، وميمون رهن عن عبد الله كانا كما قال : وأيهما أدى فك له العبد الذي رهن بعينه ، ولم يفك له شيء من غيره .

ولو كانت المسألة بحالها وزاد فيها شرطا أن أينا أدى إليك قبل صاحبه فله أن يفك نصف العبدين أو له أن يفك أي العبدين شاء كان الرهن مفسوخا ; لأن كل واحد منهما لم يجعل الحق محضا في رهنه دون رهن صاحبه فكل واحد منهما في شرط صاحبه مرهون مرة على الكمال وخارج من الرهن بغير براءة من راهنه من جميع الحق ، ولو كانت المسألة بحالها وشرط له الراهنان أنه إذا قضى أحدهما ما عليه فلا يفك له رهنه حتى يقضي الآخر ما عليه كان الشرط فيه باطلا ; لأن الحق أن يكون خارجا من الرهن إذا لم يكن فيه رهن غيره ، وأن لا يكون رهنا إلا بأمر معلوم لا أن يكون مرهونا بأمر غير معلوم وشرط فيه مرة أنه رهن بشيء غير معلوم على المخاطرة فيكون مرة خارجا من الرهن إذا قضيا معا وغير خارج من الرهن إذا لم يقض أحدهما ، ولا يدري ما يبقى على الآخر ، وقد كانا رهنين متفرقين .

ولو كانت المسألة بحالها فتشارطوا أن أحدهما إذا أدى ما عليه دون ما على صاحبه خرج [ ص: 175 ] الرهنان معا ، وكان ما يبقى من المال بغير رهن كان الرهن فاسدا ; لأنهما في هذا الشرط رهن مرة وأحدهما خارج من الرهن أخرى بغير عينه ; لأني لا أدري أيهما يؤدي وعلى أيهما يبقى الدين ، ولو رهن رجل رجلا عبدا إلى سنة على أنه إن جاءه بالحق إلى سنة ، وإلا فالعبد خارج من الرهن كان الرهن فاسدا ، وكذلك لو رهنه عبدا على أنه إن جاءه بحقه عند محله ، وإلا خرج العبد من الرهن وصارت داره رهنا لم تكن الدار رهنا ، وكان الرهن في العبد مفسوخا ; لأنه داخل في الرهن مرة وخارج منه أخرى بغير براءة من الحق الذي فيه ، ولو رهنه رهنا على أنه إن جاءه بالحق ، وإلا فالرهن له بيع فالرهن مفسوخ ; لأنه شرط أنه رهن في حال وبيع في أخرى .

التالي السابق


الخدمات العلمية