الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          فصل

                                                                                                                          ولا فرق بين كون الملتقط غنيا أو فقيرا ، مسلما أو كافرا ، عدلا أو فاسقا ، وقيل : يضم إلى الفاسق أمين في تعريفها وحفظها ، وإن وجدها صبي أو سفيه قام وليه بتعريفها ، وإذا عرفها فهي لواجدها ، وإن وجدها عبد فلسيده أخذها منه وتركها معه يتولى تعريفها إذا كان عدلا ، فإن لم يأمن العبد سيده عليها لزمه سترها عنه ، فإن أتلفها قبل الحول فهي في رقبته ، وإن أتلفها بعده فهي في ذمته ، والمكاتب كالحر ، ومن بعضه حر فهي بينه وبين سيده ، إلا أن تكون بينهما مهايأة ، فهل يدخل في المهايأة ؛ على وجهين

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          فصل

                                                                                                                          ( ولا فرق بين كون الملتقط غنيا أو فقيرا ) روي عن عمر ، وعلي ، وابن مسعود ، وعائشة ، وخلق ؛ للعموم . وعنه : لا يملكها إلا فقير من غير ذوي القربى ؛ لحديث عياض ؛ ولأنه أضاف المال فيه إلى الله تعالى ، وما يضاف إليه إنما يتملكه من يستحق الصدقة ، وجوابه بأن من ملك بالقرض ملك اللقطة كالفقير ، ودعواهم لا دليل عليها ، بل بطلانها ظاهر ، فإن الأشياء كلها تضاف إلى الله خلقا وملكا ، قال الله تعالى : وآتوهم من مال الله الذي آتاكم [ النور : 33 ] ( مسلما ) اتفاقا ( أو كافرا ) في قول الجماهير ; لأنه نوع اكتساب ، فكان من أهله كالاحتطاب ، وقيده في " الشرح " ، و " الفروع " بالذمي ، ولعله مراد ، وفي " الرعاية " بالكافر العدل في دارنا . وقال بعض العلماء : ليس له ذلك في دار الإسلام ; لأنه ليس من أهل الأمانة ، [ ص: 290 ] وينتقض بالصبي ، قال في " الشرح " : وإن علم بها الحاكم أقرها في يده وضم إليه عدلا في الحفظ والتعريف ، ويحتمل أن تنتزع من يده ، وتوضع على يد عدل ؛ لأنه غير مأمون عليها ( عدلا ) اتفاقا ( أو فاسقا ) على المذهب ; لأنها من جهات الكسب ، وهو من أهله ، فصح التقاطه كالعدل ، وإذا صح التقاط الذمي فالمسلم أولى ، والأولى له تركها ; لأنه يعرض نفسه للأمانة وهو ليس من أهلها ( وقيل : يضم إلى الفاسق أمين في تعريفها وحفظها ) قدمه في " المحرر " ، وجزم به في " الشرح " ; لأنه لا يؤمن عليها ، فافتقر إلى مشاركة الأمين في الحفظ ، وظاهره أنها لا تنتزع منه ; لأن له حق التملك ، نعم ، إن لم يمكن المسرف حفظها منه انتزعت من يده وتركت في يد عدل ، فإذا عرفها ملكها الملتقط ؛ لوجود سبب الملك منه .

                                                                                                                          ( وإن وجدها صبي أو سفيه ) أو مجنون - قاله جماعة - ( قام وليه بتعريفها ) ؛ لأن واجدها ليس من أهل التعريف ، وهو مقوم في ماله ، فكذا في لقطته ، وحينئذ يلزم الولي أخذها منه ، فإن تركها في يده فتلفت ضمنها ( فإذا عرفها ) ولم تعرف ( فهي لواجدها ) ؛ لأن سبب الملك تم شرطه ، فثبت الملك له كالصيد ، وعلم منه صحة التقاطهما ؛ لعموم الأخبار ؛ ولأنه نوع كسب ، فصح منه كالاحتشاش ، فإن تلفت بيد أحدهم وفرط ، نص عليه في صبي كإتلافه .

                                                                                                                          ( وإن وجدها عبد ) عدل ( فلسيده أخذها منه ) ؛ لأنها من كسبه ، وهو لسيده ، فكان له انتزاعها منه ( وتركها معه ، يتولى تعريفها إذا كان عدلا ) ؛ لأنه واجد ، فإن عرفها بعض الحول عرفها السيد تمامه ، وإن عرفها حولا صح في الأصح ; لأن له قولا صحيحا فصح تعريفه كالحر ، فإذا تم حول التعريف [ ص: 291 ] ملكها سيده بشرطه ; لأنها من جملة أكسابه ، وظهر منه صحة التقاطه بغير إذن سيده ; لأن من جاز له قبول الوديعة بغير إذن سيده جاز له الالتقاط كالحر ، وهذا إذا لم ينهه عنها ، فإن نهاه عنها لم يصح قطعا ، لا يقال : هي قبل الحول أمانة وولاية وبعده تملك وليس من أهله ; لأنه يبطل بالصبي ، والعبد من أهل التملك في الجملة بدليل الاصطياد ، فإن عتق أخذه سيده ، وقيل : إن عتق بعد الحول والتعريف وقلنا يملك - فلا ، ( فإن لم يأمن العبد سيده عليها لزمه سترها عنه ) ؛ لأنه يلزمه حفظها ، وذلك وسيلة إليه ، ويسلمها إلى الحاكم ثم يدفعها إلى سيده بشرط الضمان ( فإن أتلفها قبل الحول فهي في رقبته ) أي تتعلق قيمتها برقبته ، كالجناية ، وكذا إذا تلفت بتفريطه ، فلو تلفت بلا تفريط فلا ضمان عليه ، كالحر ( وإن أتلفها بعده فهي في ذمته ) ؛ لأنه غير متعد في إتلافها بعد الحول بالنسبة إلى صاحبها ، قال في " الشرح " : هذا إذا قلنا : يملكها العبد بعد التعريف ، وإن قلنا : لا يملكها فهو كما لو أتلفها في حول التعريف ، ويصلح أن ينبني ذلك على استدانة العبد .

                                                                                                                          فائدة : المدبر والمعلق عتقه بصفة وأم الولد ، كالقن .

                                                                                                                          ( والمكاتب كالحر ) لأن المال له في الحال وأكسابه له ، وهو شامل لأكسابه الصحيحة والفاسدة ، فإن عجز صار عبدا ، وحكم لقطته كالعبد ، ( ومن بعضه حر فهي بينه وبين سيده ) ؛ لأنها من كسبه ، وهي بينهما فيعرفان ويملكان [ ص: 292 ] بالقسط كسائر الأكساب ( إلا أن تكون بينهما مهايأة ) بأن يتفق هو والسيد على أن المنافع يوما لهذا ويوما للآخر ، ( فهل يدخل في المهايأة ؛ على وجهين ) ، أصحهما لا يدخل ; لأنها من الأكساب النادرة أشبهت الميراث ، فعلى هذا يكون بينهما كالعبد المشترك ، والثاني : يدخل ; لأنها من كسبه ، أشبهت سائر الأكساب ، فيكون لمن وجد في يومه ، وكذا حكم نادر من كسبه كهدية ، وهبة ، ووصية ، ونحوها ، قاله في " المغني " و " الشرح " .




                                                                                                                          الخدمات العلمية