الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          [ ص: 814 ] 158 - فصل

                          [ نكاح المجوس وأكل ذبائحهم ] .

                          وأما المجوس فلا تحل مناكحتهم ، ولا أكل ذبائحهم ، وليس لهم كتاب : نص على ذلك في رواية إسحاق بن إبراهيم ، وأبي الحارث وغيرهما .

                          فقال في رواية إسحاق : لا فرج الله عمن يقول هذه المقالة ، يعني نكاح المجوس وأكل ذبائحهم .

                          ونص على أنه لا كتاب لهم في رواية الميموني ، فقال : المجوس ليس [ ص: 815 ] لهم كتاب ، ولا تؤكل ذبيحتهم ولا ينكحون .

                          وقال في رواية محمد بن موسى ، وقد سئل : " أيصح عن علي أن المجوس أهل كتاب ؟ " فقال : هذا باطل ، واستعظمه جدا ، وقال : إن قوما قد أساءوا ، يقولون هذا القول ، وهو قول سوء : فقد نص على تحريم مناكحتهم ، وعلى أنه لا كتاب لهم .

                          وقد ذكر ابن المنذر ، عن حذيفة أنه تزوج بمجوسية ، فقال له عمر : طلقها ، ولكن ضعفه أحمد في رواية المروذي . وقد سأله عن حديث ابن عون ، عن محمد أن حذيفة تزوج مجوسية ، فأنكره ، وقال الأخبار على خلافه . قال المروذي : قلت لأبي عبد الله : ثبت عندك ؟ قال : لا .

                          وقال في رواية إسحاق بن إبراهيم : روى الداناج ، وأبو وائل أنه تزوج يهودية .

                          [ ص: 816 ] وروى المروزي ، عن الشافعي قولين :

                          أحدهما : تجوز مناكحتهم ، وبناهما على أنه هل لهم كتاب أم لا ؟ وأنكر غيره من أصحاب الشافعي هذا النقل والبناء ، وقال : لو قلنا : تحل مناكحتهم - إذا قلنا لهم كتاب - لوجب أن نقول : لا يقرون بالجزية إذا قلنا لا كتاب لهم .

                          وقال أبو ثور : تجوز مناكحتهم وأكل ذبائحهم ، قال المروذي : قلت لأحمد : إن أبا ثور يحتج بأنهم أهل كتاب . فقال : وأي كتاب لهم ؟

                          قال القاضي : فإن قيل : فكيف استجاز أحمد في رواية إبراهيم أن يدعو على من يجيز نكاح المجوس وهو مما يسوغ فيه الاجتهاد ، لأنكم قد رويتم ذلك عن حذيفة وأبي ثور ؟ - وخرجه بعض أصحاب الشافعي قولا له - قيل له : أما ما روي عن حذيفة فقد بينا ضعفه ، وأما أبو ثور فيحتمل أن أحمد لم يظهر له خلافه في ذلك الوقت .

                          وكذلك هذا القائل من الشافعية ؛ لأنه حدث بعد أحمد ، ولم يظهر هذا في وقته عن الشافعي . والذي يبين هذا ما قاله في رواية المروذي : " ما [ ص: 817 ] اختلف أحد في نكاح المجوس ، أو ذبائحهم ، اختلفوا في اليهود ، والنصارى ، فأما المجوس فلم يختلفوا " وضعف ما جاء فيه .

                          قلت : قوله " لعله لم يظهر له خلافه " جواب فاسد ، فإنه قد حكي له أن أبا ثور يجيز نكاح المجوس ، فقال : أبو ثور كاسمه ، ودعا عليه ، وقال : لا فرج الله عمن يقول بهذا القول .

                          والمسألة عنده مما لا يسوغ فيها الاجتهاد ، لظهور إجماع الصحابة على تحريم مناكحتهم . وهذا مما يدل على فقه الصحابة ، وأنهم أفقه الأمة على الإطلاق ونسبة فقه من بعدهم إلى فقههم كنسبة فضلهم إلى فضلهم ، فإنهم أخذوا في دمائهم بالعصمة ، وفي ذبائحهم ، ومناكحتهم بالحرمة ، فردوا الدماء إلى أصولها ، والفروج والذبائح إلى أصولها .

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية