الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                السادسة : يمتنع بيع أم الولد ، وقاله الأئمة ، ولبعض الشافعية وداود وبشر المريسي : جواز البيع ، لنا : قوله عليه السلام : ( أيما رجل ولدت أمته فهي معتقة عليه عن دبر منه ) وبقوله في أم ولده إبراهيم : ( أعتقها ولدها ) والحر لا يباع ، [ ص: 375 ] وروى مالك : قال عمر - رضي الله عنه - : أيما وليدة ولدت من سيدها فإنه لا يبيعها ، ولا يهبها ، ولا يورثها ويستمتع بها ما عاش ، فإن مات فهي حرة ، وفي الصحاح حديث أبي سعيد الخدري : خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة بني المصطلق ، فأصبنا سبيا من سبي العرب ، فاشتهينا النساء واشتدت علينا العزبة وأحببنا الفداء ، فأردنا أن نعزل . . . الحديث ، فقوله : أحببنا الفداء يدل على أن الحمل يمنع المعاوضة ، وانعقد الإجماع على منع بيعها حالة الحمل ، والأصل : بقاء الإجماع والمنع ، احتجوا بقوله تعالى : ( وأحل الله البيع ) ونحوه ، وعن جابر : كنا نبيع أمهات الأولاد على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وعهد أبي بكر ، وصدر من خلافه عمر ثم نهانا فانتهينا ، ولأنه لو أعتق ولد أمة في بطنها لم تصر حرة ولم يمتنع بيعها فكذلك أم الولد ، ولو زوج أمته من ابنه فإنها تعتق بحر ، ومع هذا لا يزول الملك عنها ولا يمتنع بيعها .

                                                                                                                والجواب عن الأول : أن نصوصنا أخص من تلك الظواهر فتقدم .

                                                                                                                وعن الثاني : تحمل على بيعهن إذا ولدن من الغير توفيقا بين الأدلة أو ذلك بغير علمه - عليه السلام - كما قال ابن عمر : كنا نخابر على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى روى لنا رافع بن خديج نهيه - عليه السلام - عنها فانتهينا . وإذا حمل على الولادة من الأزواج يكون نهي عمر على الكراهة .

                                                                                                                [ ص: 376 ] وعن الثالث : إذا أعتق حملها تكون علقت برقيق طرأ عليه العتق ، وهاهنا بحر أصالة فتسري إليها حريته .

                                                                                                                وعن الرابع : أن الولد يخلق مملوكا ، والعتق على الابن لأنه أخوه .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الكتاب : إن أعتقها المبتاع نقض البيع والعتق ، وعادت أم ولد فإن ماتت بيده قبل الرد ضمنها ، ويرد الثمن ، وإن ماتت بعد موت البائع أو قبله أو بقيت يتبع البائع بالثمن في ذمته مليا أو معدما ، قال ابن يونس : قال ابن القاسم : إن جهل موضع المبتاع فعلى البائع طلبه حتى يرد إليه الثمن ماتت أم الولد أو بقيت ، فإن أولدها المبتاع : قال مالك : لحقه الولد بغير قيمة فيه ; لأن البائع أباحه فرجها بخلاف لو بيعت عليه بغير طوعه له ، وقال عبد الملك : عليه قيمة الولد عبدا ، وقال ابن عبد الحكم : على أنه يعتق بموت البائع ، فإن زوجها المبتاع لعبده فولدت منه ردت مع ولدها ، ولولدها حكم ولد أم الولد ، وقال أصبغ : ذلك سواء أولدها المشتري أو زوجها ، لا قيمة للبائع في ولدها ; لأنه أباحها ، قال أصبغ : وإن باعها فشرط أنها حرة لم ترد ، وولاؤها لسيدها ، ويسوغ له الثمن لعلم المبتاع بأخذها لا على أن يعتقها فإن باعها على أن يعتقها المبتاع لا على أنها حرة من حينها ردت ما لم تفت بالعتق فيمضى ، والولاء للبائع ، ويسوغ له الثمن لعلم المبتاع ولو لم يعلم لرجع بالثمن ، قال اللخمي : ظاهر المذهب إذا نقص البيع لا شيء على البائع من نفقة المشتري عليه ولا له قيمة خدمتها لأن الخراج بالضمان ، وقال سحنون : يرجع عليه بالنفقة ، [ ص: 377 ] والآخر بالخدمة ; لأنها غير مضمونة ، ولو أخذها السيد ففاتت الإجارة لكانت للسيد ، واختلف في المستحق بحريته : قال ابن القاسم : لا شيء على المشتري من خراجه ، وخالفه المغيرة لأنه غير مضمون ، وإذا رد إليه تحفظ منه عليها لئلا يعود لبيعها ، ولا يمكن من السفر بها ، فإن لم يمكن التحفظ عتقت عليه كقول مالك في بائع امرأته .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية