الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        [ ص: 374 ] فرع

                                                                                                                                                                        المسبوق إذا أدرك الإمام راكعا يكبر للافتتاح ، وليس له أن يشتغل بالفاتحة بل يهوي للركوع ويكبر له تكبيرة أخرى . وكذا لو أدركه قائما فكبر فركع الإمام بمجرد تكبيره ، فلو اقتصر في الحالين على تكبيرة ، فله أحوال : أحدها : أن ينوي بها تكبيرة الافتتاح ، فتصح صلاته بشرط أن يوقعها في حال القيام .

                                                                                                                                                                        الثاني : ينوي تكبيرة الركوع فلا تنعقد صلاته .

                                                                                                                                                                        الثالث : ينويهما ، فلا تنعقد فرضا ولا نفلا أيضا على الصحيح .

                                                                                                                                                                        الرابع : لا ينوي واحدا منهما ، بل يطلق التكبيرة . فالصحيح المنصوص في ( الأم ) وقطع به الجمهور : لا تنعقد . والثاني : تنعقد لقرينة الافتتاح ، ومال إليه إمام الحرمين .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        إذا أخرج المأموم نفسه عن متابعة الإمام ، فالمذهب أنه لا تبطل صلاته ، سواء فارق بعذر أو بغيره ، هذا جملته . وتفصيله : أن في بطلان الصلاة بالمفارقة طريقين . أحدهما : لا تبطل . والثاني : على قولين . أصحهما : لا تبطل . واختلفوا في موضع القولين ، على طرق . أصحها : هما فيمن فارق بغير عذر . فأما المعذور فيجوز قطعا . وقيل : هما في المعذور . فأما غيره فتبطل صلاته قطعا . وقيل : هما فيهما ، واختاره الحليمي . وقال إمام الحرمين : والأعذار كثيرة ، وأقرب - معتبرا - أن يقال : كل ما جوز ترك الجماعة ابتداء ، جوز المفارقة . وألحقوا به ما إذا [ ص: 375 ] ترك الإمام سنة مقصودة ، كالتشهد الأول والقنوت . وأما إذا لم يصبر على طول القراءة لضعف أو شغل فالأصح أنه عذر . هذا كله إذا قطع المأموم القدوة والإمام بعد في الصلاة . أما إذا انقطعت بحدث الإمام ، ونحوه ، فلا تبطل صلاة المأموم قطعا بكل حال .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        إذا أقيمت الجماعة وهو في الصلاة منفردا نظر إن كان في فريضة الوقت ، فقد قال الشافعي - رضي الله عنه : أحببت أن يكمل ركعتين ويسلم ، فتكون له نافلة ، ويبتدئ الصلاة مع الإمام . ومعناه : أن يقطع الفريضة ويقلبها نفلا . وفيه وفي نظائره خلاف قدمناه في مسائل النية في صفة الصلاة . ثم هذا فيما إذا كانت الصلاة ثلاثية ، أو رباعية ، ولم يصل بعد ركعتين . فإن كانت ذات ركعتين ، أو ذات ثلاث ، أو أربع ، وقد قام إلى الثالثة ، فإنه يتمها ، ثم يدخل في الجماعة ، وإن كان في فائتة ، لم يستحب أن يقتصر على ركعتين ليصلي تلك الفائتة جماعة ، لأن الفائتة لا يشرع لها الجماعة ، بخلاف ما لو شرع في فائتة في يوم غيم ، فانكشف الغيم ، وخاف فوت الحاضرة ، فإنه يسلم عن ركعتين ، ويشتغل بالحاضرة .

                                                                                                                                                                        قلت : قوله : لا يشرع لها الجماعة ، يحمل على التفصيل الذي ذكرته في أول كتاب صلاة الجماعة . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        وإن كان في نافلة وأقيمت الجماعة ، فإن لم يخش فوتها أتمها . وإن خشيه ، قطعها ودخل في الجماعة . فأما إذا لم يسلم من صلاته التي أحرم بها منفردا ، بل اقتدى في خلالها ، فالمذهب جوازه . وهذا جملته . فأما تفصيله [ ص: 376 ] ففي صحة هذا الاقتداء طريقان . أحدهما : القطع ببطلانه وتبطل به الصلاة . وأصحهما وأشهرهما : فيه قولان أظهرهما : جوازه . ثم اختلفوا في موضع القولين على طرق ، فقيل : هما فيما إذا لم يركع المنفرد في انفراده . فإن ركع لم يجز قطعا . وقيل : هما بعد ركوعه . فأما قبله فيجوز قطعا . وقيل : هما إذا اتفقا في الركعة ، فإن اختلفا ، فكان الإمام في ركعة ، والمأموم في أخرى متقدما أو متأخرا لم يجز قطعا . والطريق الرابع الصحيح : أن القولين في جميع الأحوال . وإذا صححنا الاقتداء على الإطلاق ، فاختلفا في الركعة ، قعد المأموم في موضع قعود الإمام ، وقام في موضع قيامه ، فإن تمت صلاته أولا ، لم يتابع الإمام في الزيادة ، بل إن شاء فارقه ، وإن شاء انتظره في التشهد وطول الدعاء وسلم معه . فإن تمت صلاة الإمام أولا قام المأموم وأتم صلاته كما يفعل المسبوق ، وإذا سها المأموم قبل الاقتداء لم يتحمل عنه الإمام ، بل إذا سلم الإمام سجد هو لسهوه ، وإن سها بعد الاقتداء حمل عنه . وإن سها الإمام قبل الاقتداء أو بعده لحق المأموم ويسجد معه ، ويعيد في آخر صلاته على الأظهر كالمسبوق .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        من أدرك الإمام في الركوع ، كان مدركا للركعة . وقال محمد بن إسحاق بن خزيمة ، وأبو بكر الصبغي - بكسر الصاد المهملة ، وإسكان الباء الموحدة ، وبالغين المعجمة ، كلاهما من أصحابنا - : لا يدرك الركعة بإدراك الركوع . وهذا شاذ منكر ، والصحيح الذي عليه الناس ، وأطبق عليه الأئمة : إدراكها ، لكن يشترط أن يكون ذلك الركوع محسوبا للإمام ، فإن لم يكن ففيه تفصيل نذكره [ ص: 377 ] في الجمعة ، إن شاء الله تعالى . ثم المراد بإدراك الركوع ، أن يلتقي هو وإمامه في حد أقل الركوع . حتى لو كان هو في الهوي ، والإمام في الارتفاع ، وقد بلغ هويه حد الأقل قبل أن يرتفع الإمام عنه ، كان مدركا ، وإن لم يلتقيا فيه فلا . هكذا قاله جميع الأصحاب . ويشترط أن يطمئن قبل ارتفاع الإمام عن الحد المعتبر . هكذا صرح به في ( البيان ) وبه أشعر كلام كثير من النقلة وهو الوجه ، وإن كان الأكثرون لم يتعرضوا له . ولو كبر وانحنى وشك هل بلغ الحد المعتبر قبل ارتفاع الإمام عنه ؟ فوجهان . وقيل : قولان . أصحهما : لا يكون مدركا . والثاني : يكون . فأما إذا أدركه فيما بعد الركوع ، فلا يكون مدركا للركعة قطعا ، وعليه أن يتابعه في الركن الذي أدركه فيه وإن لم يحسب له .

                                                                                                                                                                        قلت : وإذا أدركه في التشهد الأخير ، لزمه متابعته في الجلوس ، ولا يلزمه أن يتشهد معه قطعا ، ويسن له ذلك على الصحيح المنصوص . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        المسبوق إذا أدرك الإمام في الركوع . فقد ذكرنا أنه يكبر للركوع بعد تكبيرة الافتتاح ، فلو أدركه في السجدة الأولى أو الثانية أو التشهد ، فهل يكبر للانتقال إليه ؟ وجهان . أصحهما : لا لأن هذا غير محسوب له بخلاف الركوع ، ويخالف ما لو أدركه في الاعتدال فما بعده فإنه ينتقل معه من ركن إلى ركن مكبرا ، وإن لم يكن محسوبا ، لأنه لموافقة الإمام . ولذلك نقول : يوافقه في قراءة التشهد وفي التسبيحات على الأصح . وإذا قام المسبوق بعد سلام الإمام ، فإن كان الجلوس الذي قام منه موضع [ ص: 378 ] جلوس المسبوق ، بأن أدركه في الثالثة من رباعية ، أو ثانية المغرب ، قام مكبرا . فإن لم يكن موضع جلوسه ، بأن أدركه في الأخيرة ، أو الثانية من الرباعية ، قام بلا تكبير على الأصح . ثم إذا لم يكن موضع جلوسه ، لم يجز المكث بعد سلام الإمام . فإن مكث ، بطلت صلاته . وإن كان موضع جلوسه ، لم يضر المكث . والسنة للمسبوق : أن يقوم عقب تسليمتي الإمام ، فإن الثانية من الصلاة ، ويجوز أن يقوم عقب الأولى . وإن قام قبل تمامها ، بطلت صلاته إن تعمد القيام . وما يدركه المسبوق أول صلاته ، وما يفعله بعد سلام الإمام آخرها ، حتى لو أدرك ركعة من المغرب ، فإذا قام لإتمام الباقي ، يجهر في الثانية ويتشهد ، ويسر في الثالثة . ولو أدرك ركعة من الصبح ، وقنت مع الإمام ، أعاد القنوت في الركعة التي يأتي بها . ونص الشافعي - رحمه الله - أنه لو أدرك ركعتين من رباعية ، ثم قام للتدارك ، يقرأ السورة في الركعتين ، فقيل : هذا تفريع على قوله : يستحب قراءة السورة في جميع الركعات ، وقيل : هو تفريع على القولين جميعا لئلا تخلو صلاته عن السورة .

                                                                                                                                                                        قلت : الثاني أصح . وحكي قول غريب : أنه يجهر . والجماعة في الصبح أفضل من غيرها ، ثم العشاء ، ثم العصر ، للأحاديث الصحيحة . ولو كان للمسجد إمام راتب ، كره لغيره إقامة الجماعة فيه ، قبله أو بعده إلا بإذنه ، فإن كان المسجد مطروقا ، فلا بأس . وقد سبقت المسألة في باب الأذان . ويكره أن يؤم الرجل قوما وأكثرهم له كارهون ، فإن كرهه الأقل ، أو النصف ، لم تكره إمامته . والمراد أن يكرهوه لمعنى مذموم في الشرع ، فإن لم يكن كذلك ، فالعتب عليهم ولا كراهة . وقال القفال : إنما يكره إذا لم ينصبه الإمام ، فإن نصبه فلا يبالي بكراهة أكثرهم . والصحيح الذي عليه الجمهور : أنه لا فرق بين من نصبه الإمام وغيره . وأما إذا كان بعض المأمومين يكره أهل المسجد حضوره ، فلا يكره له الحضور ، لأن غيره لا يرتبط به ، نص عليه الشافعي والأصحاب - رحمة الله عليهم - ويكره أن يكون موقف [ ص: 379 ] الإمام أعلى من موقف المأموم ، وكذا عكسه ، فإن احتاج الإمام إلى الاستعلاء ليعلمهم صفة الصلاة ، أو المأموم ليبلغ القوم تكبير الإمام استحب . وأفضل صفوف الرجال أولها ، ثم ما قرب منه ، وكذلك النساء الخلص ، فإن كان النساء مع الرجال ، فأفضل صفوفهن آخرها . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية