الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله ( وتطلب ليلة القدر في العشر الأخير من رمضان ) . هذا المذهب . وعليه الأصحاب . منهم المصنف في العمدة والهادي ، وقال في الكافي ، والمغني : تطلب في جميع رمضان . قال الشارح : يستحب طلبها في جميع ليالي رمضان ، وفي العشر الأخير آكد ، وفي ليالي الوتر آكد . انتهى ، قلت : يحتمل أن تطلب في النصف الأخير منه ; لأحاديث وردت في ذلك ، وهو مذهب جماعة من الصحابة ، خصوصا ليلة سبعة عشر . لا سيما إذا كانت ليلة جمعة . قوله ( وليالي الوتر آكد ) . هذا المذهب ، وعليه جماهير الأصحاب ، واختار المجد : أن كل العشر سواء .

فائدة : قال الشيخ تقي الدين : الوتر يكون باعتبار الماضي ، فتطلب ليلة القدر ليلة إحدى وعشرين وليلة ثلاث وعشرين إلى آخره ، ويكون باعتبار الباقي . لقوله عليه أفضل الصلاة والسلام { لتاسعة تبقى } فإذا كان الشهر ثلاثين يكون ذلك ليالي لأشفاع ، فليلة الثانية : تاسعة تبقى ، وليلة الرابعة : سابعة تبقى . كما فسره أبو سعيد الخدري ، ولمن كان الشهر ناقصا : كان التاريخ بالباقي كالتاريخ بالماضي [ ص: 355 ] قوله ( وأرجاها : ليلة سبع وعشرين ) . هذا المذهب وعليه جماهير الأصحاب ، وهو من المفردات ، وقال المصنف في الكافي : وأرجاها الوتر من ليالي العشر . قال في الفروع : كذا قال ، وقيل : أرجاها ليلة ثلاث وعشرين ، وقال في الكافي أيضا : والأحاديث تدل على أنها تنتقل في ليالي الوتر . قال ابن هبيرة في الإفصاح : الصحيح عندي أنها تنتقل في أفراد العشر ، فإذا اتفقت ليالي الجمع في الأفراد : فأجدر وأخلق أن تكون فيها ، وقال غيره : تنتقل في العشر الأخيرة . وحكاه ابن عبد البر عن الإمام أحمد .

قلت : وهو الصواب الذي لا شك فيه ، وقال المجد : ظاهر رواية حنبل : أنها ليلة معينة ، فعلى هذا : لو قال : أنت طالق ليلة القدر قبل مضي ليلة أول العشر : وقع الطلاق في الليلة الأخيرة . وإن مضى منه ليلة وقع الطلاق في السنة الثانية في ليلة حلفه فيها ، وعلى قولنا إنها تنتقل في العشر : إن كان قبل مضي ليلة منه ، وقع الطلاق في الليلة الأخيرة . وإن كان مضى منه ليلة : وقع الطلاق في الليلة الأخيرة من العام المقبل ، واختاره المجد . قال في الفروع : وهو أظهر . قال المجد : ويتخرج حكم العتق واليمين على مسألة الطلاق . قلت : هو الصواب قلت : تلخص لنا في المذهب عدة أقوال . وقد ذكر الشيخ الحافظ الناقد شهاب الدين أحمد بن حجر العسقلاني في شرح البخاري : أن في ليلة القدر للعلماء خمسة وأربعين قولا ، وذكر أدلة كل قول .

أحببت أن أذكرها هنا ملخصة فأقول : قيل : وقعت خاصة بسنة واحدة وقعت في زمنه عليه أفضل الصلاة والسلام خاصة بهذه الأمة ممكنة في جميع السنة تنتقل في جميع السنة ليلة النصف [ ص: 356 ] من شعبان مختصة برمضان ممكنة في جميع لياليه أول ليلة منه ليلة النصف منه ليلة سبعة عشر قلت : أو إن كانت ليلة جمعة . ذكره في اللطائف . ثمان عشرة تسع عشرة حادي عشرين ثاني عشرين ثالث عشرين رابع عشرين خامس عشرين سادس عشرين سابع عشرين ثامن عشرين تاسع عشرين ثلاثين أرجاها ليلة إحدى وعشرين ثلاث وعشرين سبع وعشرين تنتقل في جميع رمضان في النصف الأخير في العشر الأخير كله في أوتار العشر الأخير مثله بزيادة الليلة الأخيرة في السبع الأواخر وهل هي الليالي السبع من آخر الشهر ؟ أو في آخر سبع من الشهر ؟ منحصرة في السبع الأواخر منه في أشفاع العشر الأوسط والعشر الأخير مبهمة في العشر الأوسط أو آخر ليلة أو أول ليلة أو تاسع ليلة أو سابع عشرة أو إحدى وعشرين أو آخر ليلة في سبع أو ثمان من أول النصف الثاني ليلة ست عشرة أو سبع عشرة ليلة سبع عشرة أو تسع عشرة أو إحدى وعشرين ليلة تسع عشرة أو إحدى وعشرين أو ثلاث وعشرين ليلة إحدى وعشرين أو ثلاث وعشرين أو خمس وعشرين ليلة اثنتين وعشرين أو ثلاث وعشرين ليلة ثلاث وعشرين أو سبع وعشرين الثالثة من العشر الأخير أو الخامسة منه ، وزدنا قولا على ذلك .

فوائد . إحداها : لو نذر قيام ليلة القدر ، قام العشر كله ، وإن كان نذره في أثناء العشر ، فحكمه حكم الطلاق على ما تقدم . ذكره القاضي في التعليق في النذور . الثانية : قال جماعة من الأصحاب : يسن أن ينام متربعا مستندا إلى شيء ، نص عليه [ ص: 357 ] الثالثة : ليلة القدر أفضل الليالي على الصحيح من المذهب ، وحكاه الخطابي إجماعا . وعنه ليلة الجمعة أفضل . ذكرها ابن عقيل . قال المجد في شرحه : وهذه الرواية اختيار ابن بطة ، وأبي الحسن الجوزي ، وأبي حفص البرمكي ; لأنها تابعة لأفضل الأيام وقال الشيخ تقي الدين : ليلة الإسراء أفضل في حقه عليه أفضل الصلاة والسلام من ليلة القدر ، وقال الشيخ تقي الدين أيضا : يوم الجمعة أفضل أيام الأسبوع إجماعا ، وقال : يوم النحر أفضل أيام العام . كذا ذكره المجد في شرحه في صلاة العيد . قال في الفروع : وظاهر ما ذكره أبو حكيم : أن يوم عرفة أفضل . قال : وظهر مما سبق : أن هذه الأيام أفضل من غيرها ، ويتوجه على اختيار شيخنا بعد يوم النحر : يوم القر الذي يليه . قال في الغنية : إن الله اختار من الأيام أربعة : الفطر ، والأضحى ، وعرفة ، ويوم عاشوراء ، واختار منها : يوم عرفة ، وقال أيضا : إن الله اختار للحسين الشهادة في أشرف الأيام ، وأعظمها وأجلها ، وأرفعها عند الله منزلة .

الرابعة : قال في الفروع : عشر ذي الحجة أفضل ، على ظاهر ما في العمدة وغيرها . وسبق كلام شيخنا في صلاة التطوع ، وقال الشيخ تقي الدين أيضا : قد يقال ذلك ، وقد يقال : ليالي عشر رمضان الأخير وأيام ذلك أفضل . قال : والأول أظهر ; لوجوه ، وذكرها . الخامسة : رمضان أفضل الشهور ، ذكره جماعة من الأصحاب ، وذكره ابن شهاب فيمن زال عذره ، وذكروا أن الصدقة فيه أفضل ، وقال في الغنية : إن الله اختار من الشهور أربعة : رجب ، وشعبان ، ورمضان [ ص: 358 ] والمحرم ، واختار منها . شعبان وجعله شهر النبي صلى الله عليه وسلم فكما أنه أفضل الأنبياء فشهره أفضل الشهور . قال في الفروع كذا قال ، وقال ابن الجوزي : قال القاضي في قوله تعالى { منها أربعة حرم } إنما سماها حرما لتحريم القتال فيها ; ولتعظيم انتهاك المحارم فيها أشد من تعظيمه في غيرها . كذلك تعظيم الطاعات ، وذكر ابن الجوزي معناه .

التالي السابق


الخدمات العلمية