الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
قال أبو عمر : تخويف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمته بالنار على الكذب دليل على أنه كان يعلم أنه سيكذب عليه صلى الله عليه .

حدثنا خلف بن قاسم ، حدثنا أحمد بن الحسين بن إسحاق الرازي ، حدثنا أبو الزنباع روح بن الفرج القطان ، حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير ، ويزيد بن موهب ، قالا : حدثنا الليث بن سعد ، قال : حدثني ابن شهاب ، عن أنس بن مالك ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : من كذب علي ، قال : حسبت أنه قال : متعمدا ، فليتبوأ بيته في النار .

[ ص: 45 ] حدثنا عبد الوارث بن سفيان ، حدثنا قاسم ، حدثنا أحمد بن زهير ، حدثنا إبراهيم بن عبد الله الهروي ، حدثنا أبو غياث أصرم بن غياث ، قال : حدثني أبو سنان ، عن هارون بن عنترة ، قال : قال أبو هريرة : إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذونه .

حدثنا عبد الوارث ، حدثنا قاسم ، حدثنا أحمد بن زهير ، حدثنا الوليد بن شجاع ، حدثنا ابن المبارك ، عن ابن لهيعة ، عن خالد بن يزيد ، عن عامر بن سعد أن عقبة بن نافع قال لبنيه : يا بني لا تقبلوا الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا من ثقة .

وروينا عن ابن معين أنه قال : كان فيما أوصى به صهيب بنيه أن قال : يا بني لا تقبلوا الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا من ثقة .

وقال ابن عون : لا تأخذوا العلم إلا ممن شهد له بالطلب .

وفيما أجاز لنا عبد بن أحمد ، وحدثناه عبد الله بن سعيد عنه ، قال : حدثنا علي بن عمر ، قال : حدثنا محمد بن مسلم ، حدثنا محمد بن هشام بن البختري ، قال : حدثنا هشام بن هارون ، حدثنا الحسين بن خالد ، عن حماد بن زيد ، عن شعيب بن الحبحاب ، قال : غدوت إلى أنس بن مالك [ ص: 46 ] فقال : يا شعيب ما غدا بك ؟ فقلت : يا أبا حمزة غدوت لأتعلم منك ، وألتمس ما ينفعني ، فقال : يا شعيب : إن هذا العلم دين فانظر ممن تأخذه .

وقال سعيد بن عبد العزيز ، عن سليمان بن موسى ، قال : لا يؤخذ العلم من صحفي .

وقال القاسم بن محمد : أقبح من الجهل أن أقول بغير علم ، أو أحدث عن غير ثقة .

حدثنا عبد الوارث ، حدثنا قاسم ، حدثنا أحمد بن زهير ، حدثنا أحمد بن يونس ، حدثنا زائدة ، حدثنا هشام بن حسان ، قال : قال محمد بن سيرين : انظروا عمن تأخذون هذا الحديث فإنما هو دينكم .

حدثنا عبد الوارث ، حدثنا قاسم ، حدثنا أحمد بن زهير ، حدثنا إبراهيم بن محمد الشافعي ، حدثنا فضيل بن عياض ، عن هشام ، عن ابن سيرين ، قال : إنما هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذونه .

حدثنا أحمد بن قاسم بن عيسى المقري ، حدثنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن سمعون ببغداد ، حدثنا محمد بن محمد بن أبي حذيفة ، حدثنا ربيعة بن الحارث ، حدثنا محمد بن زياد ، حدثنا هشيم ، عن المغيرة ، عن [ ص: 47 ] إبراهيم ، قال : إن هذه الأحاديث دين فانظروا عمن تأخذون دينكم ، قال المغيرة : كنا إذا أتينا الرجل لنأخذ عنه نظرنا إلى سمته وصلاته ، وقد روى جماعة ، عن هشيم ، عن مغيرة ، عن إبراهيم ، قال : كانوا إذا أتوا الرجل ليأخذوا عنه نظروا إلى هديه ، وسمته ، وصلاته ثم أخذوا عنه .

أخبرنا عبد الوارث ، حدثنا قاسم ، حدثنا أبو إسماعيل الترمذي ، حدثنا ابن أبي أويس ، قال : سمعت خالي مالك بن أنس يقول : إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم ، لقد أدركت سبعين ، فذكر الحديث ، وهو بتمامه في الباب الذي بعد هذا في أخبار مالك رحمه الله .

حدثنا خلف بن أحمد ، وعبد الرحمن بن يحيى ، قالا : حدثنا أحمد بن سعيد ، حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن النعمان ، حدثنا محمد بن علي بن مروان ، قال : سمعت عفان بن مسلم ، قال : سمعت يحيى بن سعيد القطان يقول : سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول : سألت شعبة ، وابن المبارك ، والثوري ، ومالك بن أنس ، عن الرجل يتهم بالكذب ، فقالوا : انشره فإنه دين .

وروينا عن حماد بن زيد أنه قال : كلمنا شعبة في أن يكف عن أبان بن أبي عياش لسنه وأهل بيته ، فقال لي : يا أبا إسماعيل لا يحل الكف عنه ; لأن الأمر دين .

[ ص: 48 ] حدثنا خلف بن أحمد ، حدثنا أحمد بن سعيد ، حدثنا أبو جعفر محمد بن عمرو بن موسى العقيلي ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا الحسن بن علي ، قال : سمعت يزيد بن هارون يقول : حدث سليمان التيمي بحديث ، عن ابن سيرين فذكر له الحديث ، فقال له ابن سيرين : ما هذا يا سليمان ؟ اتق الله ، ولا تكذب علي ، فقال سليمان : إنما حدثنا مؤذننا ، أين هو ؟ فجاء المؤذن ، فقال سليمان : أليس حدثتني ، عن ابن سيرين بكذا وكذا ؟ فقال : إنما حدثنيه رجل ، عن ابن سيرين .

أخبرنا خلف بن قاسم ، قال : حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق بن مهران السراج ، قال : حدثنا جعفر بن أحمد بن الفرج الدوري ، قال : حدثنا محمد بن سعيد بن غالب ، قال : حدثنا نصر بن حماد - يعني الوراق - قال : كنا قعودا على باب شعبة نتذاكر الحديث ، فقلت : حدثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن عبد الله بن عطاء ، عن عقبة بن عامر الجهني ، قال : ( كنا نتناوب رعية الإبل على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجئت ذات يوم والنبي عليه السلام حوله أصحابه ، فسمعته يقول : من توضأ ثم صلى ركعتين ثم استغفر الله غفر له قلت بخ بخ ، قال : فجذبني رجل من خلفي ، فالتفت فإذا عمر بن الخطاب ، فقال : ما لك تبخبخ ؟ فقلت : عجبا بها ، قال : لو سمعت التي قبلها كانت أعجب وأعجب ، قلت وما قال ؟ قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من شهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، قيل له : ادخل من أي أبواب الجنة شئت قال : قال نصر : فخرج علينا شعبة [ ص: 49 ] فلطمني ثم رجع فدخل ، قال : فتنحيت ناحية أبكي ثم خرج ، فقال : ما له بعد يبكي ؟ فقال له عبد الله بن إدريس : إنك أسأت إليه ، قال : انظر ما يحدث به ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن عبد الله بن عطاء ، عن عقبة بن عامر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنا قلت لأبي إسحاق من حدثك ؟ قال : حدثنا عبد الله بن عطاء ، عن عقبة بن عامر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقلت لأبي إسحاق : أو سمع عبد الله من عقبة ؟ قال : فغضب ، ومسعر بن كدام حاضر ، فقال لي مسعر : أغضبت الشيخ ، فقلت : ليصححن هذا الحديث ، أو لأرمين بحديثه ، فقال لي مسعر : هذا عبد الله بن عطاء بمكة ، قال شعبة : فرحلت إلى مكة لم أرد الحج ، أردت الحديث ، فلقيت عبد الله بن عطاء ، فسألته ، فقال : سعد بن إبراهيم حدثني ، قال شعبة : فلقيت مالك بن أنس ، فسألته عن سعد ، فقال : سعد بن إبراهيم بالمدينة لم يحج العام ، فرحلت إلى المدينة ، فلقيت سعد بن إبراهيم بالمدينة ، فسألته ، فقال : الحديث من عندكم ، حدثني زياد بن مخراق ، قال شعبة ، فلما ذكر زياد بن مخراق قلت أي شيء هذا ؟ بينما هو كوفي إذ صار مدنيا إذ صار بصريا ، قال شعبة : فرحلت إلى البصرة ، فلقيت زياد بن مخراق ، فسألته ، فقال : ليس الحديث من بانتك ( كذا ) ، فقلت : حدثني به ، قال : لا ترده ، قلت : حدثني به ، قال : حدثني شهر بن حوشب ، قلت : ومن لي بهذا الحديث لو صح لي مثل هذا عن رسول الله [ ص: 50 ] - صلى الله عليه وسلم - كان أحب إلي من أهلي ، ومالي ، ومن الناس أجمعين ، وذكره الدارقطني ، عن أبي عبيد القاسم بن إسماعيل المحاملي ، ومحمد بن مخلد بن حفص العطار ، قالا : حدثنا أبو يحيى محمد بن سعيد بن غالب ، قال : سمعت نصر بن حماد يقول : كنا قعودا على باب شعبة ، فذكر مثله إلى آخره .

وقد روي هذا المعنى من وجوه عن شعبة ، ولذلك ذكرته عن نصر بن حماد ; لأن نصر بن حماد الوراق يروي عن شعبة مناكير تركوه ، وقد رواه الطيالسي ، عن شعبة .

حدثنا خلف بن أحمد ، حدثنا أحمد بن سعيد ، حدثنا أحمد بن خالد ، حدثنا أحمد بن عبد الله الصنعاني ، قال : سمعت أبا حفص - يعني الفلاس - يقول : سمعت أبا داود يقول : كنا عند شعبة ، فجاء بشر بن المفضل ، فقال له : أتحفظ عن أبي إسحاق ، عن عبد الله بن عطاء ، عن عقبة بن عامر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما من مسلم يتوضأ ، فضحك شعبة ، فقال بشر : إنا نراك قد سقط عنك حديث جيد من حديث أبي إسحاق ، وتضحك ، قال : فقال شعبة : كنت عند أبي إسحاق ، فحدث بهذا الحديث ، فقال : حدثني عبد الله بن عطاء ، عن عقبة بن عامر ، قال شعبة : وكان أبو إسحاق إذا حدثني عن رجل لا أعرفه قلت أنت أكبر أم هذا ؟ فقال : حدثني [ ص: 51 ] ذاك الفتى ، فتحولت ، فإذا شاب جالس ، فسألته ، فقال : صدق أنا حدثته ، فقلت : وأنت من حدثك ؟ فقال : حدثني نعيم بن أبي هند ، فأتيت نعيم بن أبي هند ، فقلت : من حدثك ؟ قال : زياد بن مخراق ، قال شعبة : فقدمت البصرة ، فلقيت زياد بن مخراق ، فسألته ، فقال : حدثني رجل من أهل البصرة لا أدري من هو ، عن شهر بن حوشب .

قال أبو عمر : هكذا يكون البحث والتفتيش ، وهذا معروف عن شعبة ، ولهذا وشبهه قال أبو عبد الرحمن النسائي : أمناء الله عز وجل على حديث رسوله ثلاثة : مالك بن أنس ، وشعبة بن الحجاج ، ويحيى بن سعيد القطان .

قال أبو عمر : الحديث الذي جرى ذكره بين شعبة ، وبشر بن المفضل من حديث أبي إسحاق ، حدثناه سعيد بن نصر ، حدثنا قاسم ، حدثنا ابن وضاح ، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا أبو الأحوص ، عن أبي إسحاق ، عن عبد الله بن عطاء ، عن عقبة بن عامر ، قال : كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، في سفر ، فكنا نتناوب الرعية ، فلما كانت نوبتي سرحت ثم رحت ، فجئت ، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب الناس ، فسمعته يقول : ما من مسلم يتوضأ فيسبغ الوضوء ثم يقوم في صلاته فيعلم ما يقول فيها إلا انفتل وهو كيوم ولدته أمه من الخطايا ليس عليه ذنب قال : فما ملكت نفسي عند ذلك أن قلت بخ بخ .

[ ص: 52 ] حدثنا عبد الوارث بن سفيان ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا أحمد بن زهير ، حدثنا عبيد الله بن عمر القواريري ، قال : سمعت يحيى بن سعيد القطان يقول : ما رأيت الكذب في أحد أكثر منه فيمن ينسب إلى الخير والزهد ، وقال عفان : سمعت محمد بن يحيى بن سعيد القطان يقول : سمعت أبي يقول : ما رأيت الصالحين أكذب منهم في الحديث .

قال أبو عمر : هذا معناه ، والله أعلم أنه ينسب إلى الخير وليس كما نسب إليه وظن به ، وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قيل له : أيكون المؤمن كذابا ؟ قال : لا ، وهذا أيضا على أنه لا يغلب عليه الكذب ، أو لا يكذب في دينه ليضل غيره .

وقد تكلمنا على هذا المعنى في باب صفوان بن سليم ، والحمد لله .

حدثنا خلف بن سعيد ، قال : حدثنا عبد الله بن محمد بن علي ، قال : حدثنا أحمد بن خالد ، قال : حدثنا علي بن عبد العزيز ، وحدثنا إبراهيم بن شاكر ، قال : حدثنا عبد الله بن محمد بن عثمان ، حدثنا سعيد بن حميد ، وسعيد بن عثمان ، قالا : حدثنا أحمد بن عبد الله بن صالح [ ص: 53 ] قال : حدثنا محمد بن عبد الله الرقاشي ، حدثنا يزيد بن زريع ، حدثنا محمد بن إسحاق ، قال : حدثني عاصم بن عمر بن قتادة ، عن محمود بن لبيد ، قال : أمرني يحيى بن الحكم على جرش ، فقدمتها ، فحدثوني أن عبد الله بن جعفر حدثهم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : اتقوا صاحب هذا الداء - يعني الجذام - كما يتقى السبع إذا هبط واديا فاهبطوا غيره فقلت : والله لئن كان ابن جعفر حدثكم هذا ما كذبكم ، قال : فلما عزلني عن جرش قدمت المدينة ، فلقيت عبد الله بن جعفر ، فقلت له : يا أبا جعفر ما حديث حدثه عنك أهل جرش ؟ ثم حدثته الحديث ، فقال : كذبوا والله ما حدثتهم ، ولقد رأيت عمر بن الخطاب يدعو بالإناء فيه الماء ، فيناوله معيقبا ، وقد كان أسرع فيه هذا الداء ثم يتناوله ، فيتيمم بفمه موضع فمه ، يعلم أنه إنما يصنع ذلك كراهية أن يدخل نفسه شيء من العدوى ، ولقد كان يطلب له الطب من كل من سمع عنده بطب حتى قدم عليه رجلان من أهل اليمن ، فقال : هل عندكما من طب لهذا الرجل ؟ فإن هذا الوجع قد أسرع فيه ، قالا : أما شيء [ ص: 54 ] يذهبه فلا ، ولكنا نداويه دواء يقفه فلا يزيد ، قال عمر : عافية عظيمة ، قالا : هل تنبت أرضك هذا الحنظل ؟ قال : نعم ، قالا : فاجمع لنا منه ، قال : فأمر عمر فجمع منه مكتلتان عظيمتان ، فأخذا كل حنظلة ، فشقاها باثنتين ، ثم أخذ كل واحد منهما بقدم معيقيب ، فجعلا يدلكان بطون قدميه حتى إذا أمحقت طرحاها ، وأخذا أخرى ، حتى رأيا معيقيبا يتنخمه أخضر مرا ، ثم أرسلاه ، قال : فوالله ما زال معيقيب منها متماسكا حتى مات .

قال أبو عمر : فهذا محمود بن لبيد يحكي عن جماعة أنهم حدثوه عن عبد الله بن جعفر بما أنكره ابن جعفر ولم يعرفه ، بل عرف ضده ، وهذا في زمن فيه الصحابة ، فما ظنك بمن بعدهم ؟ وقد تقدم في هذا الباب عن ابن عباس في عصره نحو هذا المعنى .

حدثنا خلف بن أحمد ، حدثنا أحمد بن سعيد بن حزم ، حدثنا أحمد بن خالد ، حدثنا ابن وضاح ، حدثنا أحمد بن سعد ، حدثنا عمي سعيد بن أبي مريم ، عن الليث بن سعد ، قال : قدم علينا رجل من أهل المدينة يريد الإسكندرية مرابطا ، فنزل على جعفر بن ربيعة ، قال : فعرضوا له بالحملان ، وعرضوا له بالمعونة ، فلم يقبل ، واجتمع هو وأصحابنا يزيد بن أبي حبيب ، وغيره ، فأقبل يحدثهم : حدثني نافع ، عن عبد الله بن عمر ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قال : فجمعوا تلك الأحاديث ، وكتبوا بها إلى ابن نافع ، وقالوا له : إن رجلا قدم علينا وخرج إلى الإسكندرية مرابطا [ ص: 55 ] وحدثنا ، فأحببنا أن لا يكون بيننا وبينك فيها أحد ، فكتب إليهم : والله ما حدث أبي من هذا بحرف قط ، فانظروا عمن تأخذون ، واحذروا قصاصنا ، ومن يأتيكم .

حدثنا عبد الوارث بن سفيان ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا محمد بن الجهم ، حدثنا يعلى ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن الشعبي ، عن الربيع بن خثيم ، قال : من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير عشر مرات كان له كعتق رقاب أو رقبة ، قال الشعبي : فقلت للربيع بن خثيم : من حدثك بهذا الحديث ؟ فقال : عمرو بن ميمون الأودي ، فلقيت عمرو بن ميمون ، فقلت : من حدثك بهذا الحديث ؟ فقال : عبد الرحمن بن أبي ليلى ، فلقيت ابن أبي ليلى ، فقلت : من حدثك ؟ قال : أبو أيوب الأنصاري صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

فعلى هذا كان الناس على البحث عن الإسناد ، وما زال الناس يرسلون الأحاديث ، ولكن النفس أسكن عند الإسناد ، وأشد طمأنينة ، والأصل ما قدمنا .

حدثني خلف بن القاسم ، قال : حدثنا أبو الميمون عبد الرحمن بن عمر بن راشد البجلي بدمشق ، قال : حدثنا أبو زرعة [ ص: 56 ] الدمشقي ، قال : حدثنا الحسن بن الصباح ، قال : حدثنا أبو قطن ، عن أبي خلدة ، عن أبي العالية ، قال : كنا نسمع الرواية بالبصرة ، عن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فما رضينا حتى رحلنا إليهم ، فسمعناها من أفواههم .

حدثنا أبو عمر أحمد بن محمد بن أحمد ، قال : حدثنا أبو علي الحسن بن سلمة بن المعلى ، قال : حدثنا أبو عبد الله بن بحر المصري ، قال : حدثنا الحسين بن الحسن المروزي ، قال : سمعت ابن المبارك يقول : لولا الإسناد لقال كل من شاء ما شاء ، ولكن إذا قيل له عن من بقي ؟ حدثنا عبد الوارث بن سفيان ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا بكر بن حماد ، قال : حدثنا مسدد ، قال : حدثنا عبد الواحد ، قال : حدثنا عاصم الأحول ، عن أبي العالية ، قال : حدثني من سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : أعطوا كل سورة حظها من الركوع ، والسجود ، قال عاصم : فقلت لأبي العالية : أنسيت من حدثك ؟ قال : لا ، وإني لأذكره ، وأذكر المكان الذي حدثني فيه ، حدثنا خلف بن أحمد الأموي مولى لهم ، قال : أخبرنا أحمد بن سعيد ، قال : حدثنا محمد بن قاسم ، قال : حدثنا محمد بن خيرون ، قال : [ ص: 57 ] حدثنا محمد بن الحسين البغدادي ، قال : سمعت أحمد بن حنبل يقول : سمعت يحيى بن سعيد يقول : الإسناد من الدين ، قال يحيى : وسمعت شعبة يقول : إنما يعلم صحة الحديث بصحة الإسناد ، وقرأت على خلف بن القاسم أن أبا الميمون عبد الرحمن بن عمر الدمشقي حدثهم بدمشق ، قال : حدثنا أبو زرعة ، قال : حدثنا أبو مسهر ، قال : حدثنا عقبة صاحب الأوزاعي ، قال : سمعت الأوزاعي يقول : ما ذهاب العلم إلا ذهاب الإسناد .

أخبرنا أبو محمد إسماعيل بن عبد الرحمن القرشي ، قال : حدثنا إبراهيم بن بكر بن عمران ، قال : حدثنا أبو الفتح محمد بن الحسين الأزدي الموصلي الحافظ ، قال : حدثنا عمران بن موسى ، قال : حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا الحسين بن عبد الرحمن ، قال : حدثنا ابن عون ، قال : كان الحسن يحدثنا بأحاديث لو كان يسندها كان أحب إلينا .

التالي السابق


الخدمات العلمية