الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( واتفاق مجتهدي عصر بعد اختلافهم وقد استقر ) اختلافهم ( إجماع ) وحجة عندنا وعند الأكثر .

وذكر القاضي من أصحابنا : أنه محل وفاق . وقيل : إن كان المستند قطعيا كان إجماعا وحجة ، وإن كان المستند ظنيا فلا ، وخالف الباقلاني والآمدي وجمع ، وقالوا بامتناع ذلك لتناقض الإجماعين . وهما الاختلاف أولا ثم الاتفاق ثانيا ، كما إذا كانوا على قول فرجعوا عنه إلى آخر . ونقله ابن برهان في الوجيز عن الشافعي ، والمانع لذلك محجوج بالوقوع . كمسألة الخلافة لأبي بكر وغيرها .

قال ابن العراقي : ولا يخفى أن محل الخلاف إذا لم يشترط انقراض العصر فأما إن شرطناه ، فإنه يجوز قطعا ، وقاله غيره . قال ابن الحاجب : وكل من اشترط انقراض العصر قال : إجماع ( ولا يصح تمسك بإجماع فيما تتوقف صحته ) أي صحة الإجماع ( عليه كوجوده ) سبحانه و ( تعالى وصحة الرسالة ) ودلالة المعجزة ، لاستلزامه عليه لزوم الدور ( ويصح ) التمسك بالإجماع ( في غيره ) أي غير ما تتوقف صحة الإجماع عليه من أمر ( ديني ) كالرؤية و ( كنفي الشريك ) ووجوب العبادات ونحوها ; لأن الإجماع لا يتوقف على ذلك ، لإمكان تأخر معرفتها عن الإجماع بخلاف الأول ، وسواء كان الديني عقليا ، كرؤية الباري ، ونفي الشريك ، أو شرعيا كوجوب الصلاة والصيام والزكاة وغيرها . قال ابن العراقي : لا خلاف فيه . قال ابن قاضي الجبل : صح اتفاقا ، وقطع به في المقنع وغيره ( أو ) من أمر ( عقلي ، كحدوث العالم ) وهذا الصحيح الذي عليه الأكثر . قال في المحصول : وأما حدوث العالم فيمكن إثباته : لأنه يمكننا إثبات الصانع بحدوث الأعراض ، ثم نعرف صحة النبوة ، ثم نعرف الإجماع به ; ثم نعرف [ ص: 243 ] حدوث الأجسام به . انتهى . وخالف في هذه إمام الحرمين مطلقا ، وأبو إسحاق الشيرازي في : كليات أصول الدين : كحدوث العالم وإثبات النبوة ، دون جزئياته ، كجواز الرؤية . انتهى . قال الكوراني : لا معنى للإجماع فيه ; لأنه إن كان قطعيا بالاستدلال ، فما فائدة الإجماع فيه إلا تعاضد الأدلة لا إثبات الحكم ابتداء .

وقال الإمام في البرهان : أي فائدة في الإجماع في العقليات ، مع أنه لا يجوز التقليد فيها ، ولو كان الإجماع حجة فيها كسائر الأحكام لم يجز إلا التقليد فيها وعدم المخالفة ( أو ) من أمر ( دنيوي . كرأي في حرب ) وتدبير أمر الجيوش وأمر الرعية . قال البرماوي : فيه مذهبان مشهوران ، المرجح منهما وجوب العمل فيه بالإجماع . وهذا ظاهر كلام القاضي وأبي الخطاب وابن عقيل وغيرهم في حد الإجماع . واختاره ابن حمدان والآمدي وأتباعه ; لأن الدليل السمعي دال على التمسك به مطلقا من غير تقييد . فوجب المصير إليه . قال ابن قاضي الجبل : هذا قول الجمهور . وللقاضي عبد الجبار المعتزلي فيه قولان . أحدهما : المنع ، ووجهه : اختلاف المصالح بحسب الأحوال . فلو كان حجة لزم ترك المصلحة وإثبات المفسدة ، وقطع به الغزالي وصححه السمعاني ، وهو ظاهر كلام جمع من أصحابنا .

قال الكوراني : لا معنى للإجماع في ذلك . لأنه ليس أقوى من قوله صلى الله عليه وسلم ، وهو ليس دليلا لا يخالف فيه . يدل عليه قصة التلقيح حيث قال { أنتم أعلم بأمور دنياكم } والمجمع عليه لا يجوز خلافه ، وما ذكروه من أمر الحروب ونحوها إن أثم مخالف ذلك فلكونه شرعيا ، وإلا فلا معنى لوجوب اتباعه .

انتهى . وقيل : هو حجة بعد استقرار الرأي لا قبله ، ذكره ابن قاضي الجبل ( أو ) من أمر ( لغوي ) قال البرماوي : لا خلاف في ذلك ، ككون الفاء للتعقيب ، فقطع به . وقيل : يعتد بالإجماع فيه إن تعلق بالدين وإلا فلا .

ذكره القرطبي .

التالي السابق


الخدمات العلمية