الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ ص: 4128 ] معاني السورة الكريمة

                                                          قال تعالى:

                                                          أتى أمر الله فلا تستعجلوه سبحانه وتعالى عما يشركون ينـزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون خلق السماوات والأرض بالحق تعالى عما يشركون خلق الإنسان من نطفة فإذا هو خصيم مبين والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس إن ربكم لرءوف رحيم والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ويخلق ما لا تعلمون

                                                          كان المشركون يتلقون وعد النبي - صلى الله عليه وسلم - لهم بالغلب في الدنيا أو العذاب الأليم في الآخرة بالاستهزاء، والسخرية مبالغة في الإنكار، ويتحدون النبي - صلى الله عليه وسلم - أن ينزل بهم ما ينذرهم به، ولقد قال تعالى في ذلك: ويستعجلونك بالعذاب ولولا أجل مسمى لجاءهم العذاب وليأتينهم بغتة وهم لا يشعرون وقال تعالى: يستعجلونك بالعذاب وإن جهنم لمحيطة بالكافرين أي أن أسبابها محيطة بهم، وهي قريبة منهم، وقد نزل قوله تعالى: اقترب للناس حسابهم وقوله تعالى: [ ص: 4129 ] اقتربت الساعة وانشق القمر فاستعجلوه، وقوله تعالى: أتى أمر الله فلا تستعجلوه قال فيه النحويون: إنه ماض بمعنى المضارع، وعبر بالماضي لتأكد وقوعه.

                                                          وفى الحق: إن الأزمان بالنسبة لله تعالى لا تختلف بين ماض ومستقبل بل إن ذلك بالنسبة لنا؛ إذ يختلف الماضي الذي نعلمه واقعا عن المستقبل الذي لا نعلمه بل في الغيب المكنون المستور عنا.

                                                          على أن قوله تعالى: أتى أمر الله أي تقرر أمر الله تعالى وما يقرر الله تعالى قد أتى فيه قراره، وتعلقت به إرادته، وإذا كان قد أتى فلا تستعجلوه؛ لأنه قد قرر فهو واقع لا محالة، واستعجالكم لا يعجله، وسكوتكم لا يؤجله، و (الفاء) في قوله تعالى: فلا تستعجلوه تدل على أن ما قبلها سبب لما بعدها، فسبب النهي عن الاستعجال أنه تقرر بالفعل، وقوله تعالى: سبحانه وتعالى عما يشركون أي تنزه وتقدس وتبرأ، وتعالى أي تسامى عما يشركون، و (ما) مصدر حرفي أو اسمي، وفي الجملة معنى النص السامي: تقدس سبحانه وتسامى في علوه عن أن يكون له شريك في السماوات والأرض.

                                                          وهذه العبارة السامية فيها تقرير أن الله واحد لا شريك له، ولا يمكن أن يكون له شريك في قدسيته وكبريائه،

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية